إميل أمين يكتب: السياسة الأمريكية.. حرب أم سلام ؟

  • 7/13/2019
  • 00:00
  • 15
  • 0
  • 0
news-picture

أحد أهم الأسئلة التي تشغل عقل الباحث في الشؤون الأمريكية في أوقاتنا الراهنة هو ذاك المتصل بتوجهات السياسة الأمريكية، وإلى أين تمضي؟.. وبمعنى أكثر وضوحا: هل هي ماضية نحو تعميق حضورها حول العالم، أم أنها على العكس من ذلك تبدو عليها علائم الإنسحاب؟. الشاهد أن هناك فريقين داخل الولايات المتحدة ومنذ فترة بعينها، أحدهما ينزع إلى أنه لابد لواشنطن من الانخراط وبشكل كامل في كافة ما يجري على سطح الكرة الأرضية من أحداث، وألا تترك أي مربعات نفوذ لقوى أخرى تملأها. وعلى الجانب الآخر هناك فريق يرى أن أمريكا ليست شرطي العالم أو دركه، وأنه ليس عليها أن تدفع فواتير الآخرين، ولا أن تتحمل العبء الأكبر من الإنفاق العالمي على أمن وأمان العالم، وعليها فقط الإهتمام بحدودها الداخلية، وتعزيز تمترسها بين المحيطين الأطلنطي في الشرق والهادي في الغرب. من بين كبار أنصار الفريق الثاني كان المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية في 2016 دونالد ترامب، الجالس سعيدا في المكتب البيضاوي اليوم، بعد فوزه على منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، والذي ينتظر أن يفوز بولاية ثانية في 2020 إن لم يحدث أمر جلل يفقد الجمهوريين ألقهم وحضورهم الطاغي، ويعزز حظوظه غياب جواد رابح عند الديمقراطيين. أي إتجاه تراه يختار الرئيس ترامب؟.. بقاء اليد الأمريكية طليقة حول العالم، ومحافظة على تأثيرات خارجية بطبيعتها غير المرغوب فيها، لأنها تسهم  بعملية “الأمركة السماوية”، أي الإعتقاد بأن أمريكا لديها توكيل سماوي برعاية شؤون الكرة الأرضية والبشرية من حولها، أم السريان في عروق الكرة الأرضية، الشيء الذي يسمح لواشنطن بالتوسع سعيا وراء مصالحها  الإقتصادية؟. كان من الواضح ومنذ الوهلة الأولى أن براجماتية ترامب من النوع الذي يتسق وعقليته كرجل أعمال ناجح ومتميز، وإن ضل الطريق لبعض الوقت  في إتجاه عالم السياسة. ترامب لا تهمه مسألة أمريكا المثالية، والنموذج الويلسني لا يدغدغ مشاعره، إنه مهموم ومحموم بأمريكا الواقعية الجيفرسونية، تلك التي تبحث عن تعظيم مكاسبها الواقعية، وبنحو خاص الإقتصادية، لكن هل يمكن لأمريكا أن تفرغ العالم والشرق الأوسط تحديدا من وجودها العسكري؟. الجواب يعود بنا إلى دائرة موضوع آخر، أي الانسحاب الأمريكي السياسي قبل العسكري من المنطقة برمتها، وهذا أمر في واقع الحال لم ولن يحدث، إذ لا يزال المسار طويلا جدا، والقضايا المعقدة والمتشابكة لا تسمح بمثل هذه الرفاهية. والثابت أنه حتى وإن كانت أمريكا تستهدف آسيا والإستدارة من حولها في القرن الحالي، الا أنها تعلم مقدار الأهمية الإستراتيجية للشرق الأوسط والخليج العربي، ولهذا غالبا سيجري إنسحابها العسكري وفقا لخطط زمنية  تراعي إحتياجاتها وملفاتها. هل يعني ذلك أن هناك إنقلابا أيديولوجيا في الداخل الأمريكي على أفكار المحافظين الجدد، لا سيما منطلق “القرن الأمريكي”؟. في واقع الحال أشرنا من قبل مرات عديدة إلى هذا الطرح الذي بسطه المحافظون الجدد على موائد روساء أمريكا في نهاية التسعينات، وفيه كان ولابد لواشنطن من أن تتزعم العالم بالقوة والقدرة العسكرية، حتى لو كلفها  ذلك الدخول في حروب المستنقعات، الأمر الذي عانت منه واشنطن ولا تزال في العراق وأفغانستان حتى الساعة. ومع توجهات ترامب، وما أعلنه مؤخرا عن سحب عدة آلاف من الجنود الأمريكيين من أفغانستان، يمكن للمرء قراءة أفكار الرجل، إذ يبدو وكأنه يزاوج بين الانخراط والاندماج في العالم من جهة والإنعزالية من جهة ثانية،  وإن بلون ومذاق مختلف، وعبر أفكار إبداعية أكثر من الاتباعية.. ماذا يعني ذلك؟. في حديث أخير له عبر شاشات التلفزة الأمريكية، أشار ترامب إلى أن أفغانستان أضحت “هارفارد الإرهابيين”، أي أنها المكان الذي يتخرج منه إرهابيو العالم، وعليه فإنه وإن كان يفكر جديا في سحب عديد قواته من هناك، إلا أنه سيترك خلفه وحدات إستخبارية متميزة، تقوم على إمداد المختصين بما يجري على الأرض هناك، مع الجهوزية الكاملة للعودة مرة جديدة إلى الداخل الأفغاني إن تطلب الأمر. السؤال المهم والحيوي: هل الدولة الأمريكية العميقة، لا سيما المجمع الصناعي العسكري الأمريكي الفاعل الأكبر والأقدر، سوف تترك لترامب حرية المضي قدما في مثل هذا الطريق، أم أن الأصوات التي ترى ضرورة التحام أمريكا في معارك بعينها حول العالم لا سيما في الشرق الأوسط ستكون الأعلى صوتا؟.   يمكننا معرفة الجواب من خلال التحديات التي تواجه الرئيس الشعبوي، والمتاعب والعراقيل الكثيرة التي تخلق يوما تلو الآخر أمامه من القوى الكربوقراطية التي تتأثر مصالحها الإستراتيجية سلبا بقراراته، حيث تمتلك المال والأعمال والإعلام الأمريكي، وتسعى إلى الإطاحة بحكمه، أو على  أقل تقدير إفشال إنتخابه لولاية رئاسية ثانية في 2020. هل سينجرف ترامب مع تيار اليمين المتطرف والجماعات القومية الصاعدة  بقوة، بفكر أقرب ما يكون للمؤسساتية التوتاليتارية القديمة، وبخاصة   الأنساق الأوربية التاريخية مثل النازية والفاشية؟. من الصعب تأكيد الجواب في الوقت الراهن، حيث العديد من الملفات ملتهبة إلى أبعد حد ومد، وإمكانيات الخطأ البشري واردة في لحظات سخونة الأدمغة، ما يجعل من القارعة أمرا واردا، لتبدأ واشنطن فصلا جديدا من الحروب التي تجعل إنعزالها أثرا بعد عين.

مشاركة :