العقل المجرد والمعرفة الاضطرارية لدى المعتزلة ومبدأ الحسن والقبح العقليين: بالرغم من وثوق المعتزلة بالعقل واحتكامهم إليه لا يعني هذا انكار ما لا يستطيع العقل الاستدلال عليه فهم يقرون بالمعرفة الاضطرارية ويقرون بقصور أحكام العقل وبعدم قدرتها على تحصيل إدراك كامل ويلخص الشيخ محمد أبو زهرة هذا الأمر فيقول «وبهذا يتحرر أن المعتزلة يرون أن الأشياء أقسام ثلاثة: أشياء حسنة في ذاتها لا يجوز إلا أن يأمر الله بها وأشياء قبيحة في ذاتها، وهذه لا يجوز أن يأمر الله بها وأشياء مترددة بين الأمرين القبيح والحسن، وهذا القسم يجوز الأمر به والنهي عنه، فإن أمر به فهو حسن للأمر وإن نهى عنه فهو قبيح للنهي». الأشاعرة وإنكارهم لمبدأ الحسن والقبح العقليين وبالتالي ابتعادهم عن فكرة القانون الطبيعي: نلخص أقوال الأشاعرة وحججهم في نقد فكرة الحسن والقبح العقليين التي تبناها المعتزلة فيما أورده إمام الحرمين أبو المعالي الجويني: • اختلاف الناس فيما هو حسن وقبيح فحين يدعي المعتزلة أن الحسن والقبح يدركان بالضرورة والبداهة نجد أن كثيرا من الناس تنكره، فلا يصح إذن ادعاء الفروق وإدراكه فالبراهمة مثلاً يعتقدون قبح ذبح البهائم وإيلامها وتعريضها للتعب، بينما المعتزلة لا يرون ذلك. • يرد الجويني على المعتزلة فيما يتعلق بقولهم أن الحسن لو لم يعقل قبل ورود الشرع لما فهم أيضا عند وروده بأن ذلك باطل، لأننا نعلم مثلاً قبل ظهور المعجزات أن من تأتي على يديه يكون نبيًا، فإذا أتت على يديه أدركناها وحكمنا أنه نبي. • يتساءل الجويني هل يكون القبيح قبيحًا بنفسه أو إلى صفة نفسه؟ ويقول «إن قلتم هذا فهو باطل لأن القتل ظلم يماثل القتل حدًا وقصاصًا، ومع ذلك فالأول قبيح والثاني حسن وعادل كذلك نجد بعض الأفعال لو صدر من غير مكلف فإنه لا يتصف بكونه قبيحا، ولو صدر من بالغ لكان قبيحا. فليس الفعل في ذاته هو الذي يتصف بالقبح أو الحسن». ـ الماتريدية: يقسم الماتريدية الأشياء إلى حسن لذاته وقبيح لذاته وما هو بينهما تابع لأمر الله تعالى ونهيه. وفي هذا القدر يتفق الماتريدية والحنفية مع المعتزلة، بعد ذلك عنهم فالحنفية يرون أنه لا تكليف ولا ثواب بحكم العقل المجرد بل إن الأمر في التكليف والثواب والعقاب إلى النص والحمل عليه فليس للعقل المجرد أن ينفرد بتقرير الأحكام غير موضع النص بل لابد أن يرجع إلى النص أو يحمل عليه بأي طريق من طرق الحمل بالقياس أو المصحلة المعتبرة المشابهة لما جاء بالنص وهذا هو الاستحسان وفي الجملة لابد من الرجوع إلى النص فليس للعقل المجرد قدرة على التكليف والحكم على الأشياء بل لابد من الاستعانة بالشرع.
مشاركة :