حرية الاختيار عند فلاسفة القانون الطبيعي إذا كانت الفضيلة الأخلاقية عند أرسطو تكمن في تحاشي التطرف في السلوك وإيجاد الحد الوسط بين الطرفين، فكيف للإنسان ذلك؟ هل هو حر الاختيار أي في اختياره الوسط بين طرفين؟.. والجواب على ذلك فإن الإنسان عند أرسطو يتحمل مسؤولية ما يقوم به لأن فعله دون إلزام من أحد فهو يقول في ذلك: «الفضيلة من الأشياء التي هي إلينا، وكذلك الخساسة.. وإن كان فعل الجميل إلينا، ففعل القبيح إلينا...». إن ما تقدم ذكره يبين لنا أن الفضيلة الأخلاقية في نظر أرسطو تتأتى بواسطة العقل السليم وعن طريق تجنب التطرف في السلوك، (التوسط في كل شيء) ويترتب على ذلك أن كل ما يمليه العقل على الإنسان فهو طبيعي بمعنى أنه معقول. كما يبين لنا من مقولات أرسطو أن الإنسان عند أرسطو يعرف بالعقل الخير فيفعله أو لا يفعله وهو يفعل أو لا يفعل بإرادته وحريته واختياره، وبالتالي فإن العقل أصل المعرفة والحرية هي أصل الأخلاق فنحن أحرار في اختيار أي من الطرفين دون الوسط أو إختيار الوسط وبالتالي اختيار الفضيلة، وبمقارنة هذه الأفكار بما أنتجته الحضارة الإسلامية فإن الممثلين الأساسيين لمدرسة القانون الطبيعي في الفكر الإسلامي هم المعتزلة، فهم يؤمنون بقدرة العقل على تحديد العدل وذلك فيما أسموه الحسن والقبح العقليين وهم قريبون جدًا من فكرة أرسطو في العدل والأخلاق والحرية، ذلك أن المعتزلة يقسمون المعرفة إلى قسمين: الأول: هي المعرفة الحاصلة بالاضطرار والمتسمة بطابع بديهي وهذه المعرفة لا تستوجب دليلاً لأنها مدركة بنفسها «كالإخبار بعلو السماء عن الأرض، وبأن العشرة أكثر من الخمسة». الثاني: المعرفة الحاصلة بالاكتساب والمتحققة بالنظر، والتي تعلم بالدليل، وهذا الدليل إما أن يكون عقليًا فقط، وإما نصيًا شرعيًا فقط، وإما عقليًا ونصيًا. وفي هذا يقول أبو الحسن البصري «اعلم أن الاشياء المعلومة بالدليل إما أن يصح أن تعلم بالعقل فقط، وإما بالشرع فقط وإما بالشرع والعقل». إن العقل وفقًا لما يرى المعتزلة هو قوة إدراك وهداية في آنٍ واحد إنه أساس المعرفة والعمل وبما أن العقل مصدر المعرفة فإنه مقياس الحقيقة، فلا يؤخذ بأي شيء سواء كان تقليدًا أو خبرًا متواترًا أو إجماعًا إلا إذا كان مطابقًا للعقل وكل ما يتناقض مع العقل لا يعد علمًا، ولهذا جوز المعتزلة تفسير القرآن وتأويله حسبما يقره العقل. ويمكن تلخيص أفكار المعتزلة في ذلك فيما أورده أدونيس في شرحه لمنهج المعتزلة وفي هذا يقول «لكن إذا كان العقل أصل المعرفة ومقياسها، فذلك يقتضي أن الوحي لا يمكن أن يناقضه، وإنما يكون متممًا وموضحًا، وإذا كان ظاهر الوحي ما يناقض العقل، وجب تأويل هذا الظاهر في ضوء العقل، بما يؤدي إلى إلغاء هذا التناقض. ومن هنا لا يعود العقل مقياسًا للمعرفة وحسب وإنما يصبح كذلك مقياس الأخلاق. فالعقل هو مقياس التمييز بين الخير والشر، وهو الذي يحدد كلا منهما، وهذا يعني أن القيمة ذاتية، لا إضافية. فالعقل في ذاته يحسن أو يقبح عقليا. والوحي لا يمنح للفعل قيمته وإنما يخبر بما يوافق العقل. وهذا يعني، أن الإنسان هو الذي يعرف بالعقل الخير فيفعله أولا يفعله وهو يفعل أو لا بفعل إرادته وحريته واختياره ولهذا كان مسؤولاً عن أفعاله. فالعقل أصل المعرفة، والحرية أصل الأخلاق».
مشاركة :