التطرف الديني ظاهرة عالمية

  • 7/30/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

عندما يعبر الأمريكيون عن عميق انشغالهم وتخوفهم من تفاقم التطرف الديني ومظاهر العنف فإنهم يقحمون في أغلب الأحيان الدين الإسلامي. في الحقيقة فإن المشاكل الناجمة عن تسييس الدين وتوظيفه وتحويله إلى أداة أكثر عمقا وأوسع انتشارا وأشد خطورة أيضا. قبل بضعة أسابيع توليت إدارة جلسة نقاشية تحت عنوان «توظيف الدين في تبرير العنف» وقد ضمت النقاشات بعض المسؤولين الحكوميين السابقين وكبار المحللين الاعلاميين وتركزت ملاحظاتهم أساسا على الدين الإسلامي. عندما حان دوري للتحدث وإلقاء الأسئلة على المتحدثين حاولت أن أوسع نطاق النقاشات وطرح أسئلة حول الرئيس الأسبق جورج بوش الذي زعم أنه دخل في الحرب في العراق في سنة 2003 تنفيذا لما أسماه «إرادة إلهية» كما أشرت إلى تنامي تهديدات «المليشيات المسيحية من البيض والتي تنشط أساسا في مناطق نائية في داخل الولايات المتحدة الأمريكية». لم يفتني أيضا أن أشير إلى أن الحركة المسيحية الإنجيلية التي تزعم أن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وقمعها للشعب الفلسطيني أمر مبرر من الناحية الدينية. لم يعر المتحدثون أي أهمية للأسئلة التي طرحتها واعتبروا أنها تحول الأنظار عن التركيز في الجلسة النقاشية على الإسلام والمسلمين. أود أن أنوه في هذا الصدد إلى أنني أحمل شهادة الدكتوراه في الأديان المقارنة وقد أمضيت وقتا طويلا في دراسة الأديان الإبراهيمية كما تعمقت في دراسات الأديان والعقائد المنتشرة في الهند. بما أنني أملك هذا الزاد فإنني أعتبر أن كل الأديان الرئيسية في العالم تضم في صلبها أفرادا أو جماعات لا يتوانون عن توظيف الدين في تبرير أعمال العنف الرامية إلى تحقيق أهداف سياسية. في بعض بلدان العالم. نجد أن التيارات العنيفة والمتطرفة لا توجد على الهامش بل إنها تتحرك في قلب المشهد السياسي. تولى حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي مقاليد الحكم في الهند بقيادة زعيمه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الذي استطاع أن يصل إلى السلطة مدفوعا بموجة من المشاعر القومية الهندوسية المتطرفة. كان مودي لعدة سنوات ممنوعا بدوره من الدخول إلى الولايات المتحدة الأمريكية بسبب الدور الذي لعبه في تأجيج أعمال العنف المعادية للمسلمين في الهند والتي تسببت في إزهاق أرواح أكثر من ألف شخص من الأبرياء. أما في سريلانكا فهناك أيضا مليشيات بوذية تتذمر وتعتبر أن المسلمين يحتلون الأراضي البوذية، ما جعلها تصمم على القضاء على ما يسمونه التهديد الإسلامي الموجه إلى بلادهم. لم تكن المسيحية بدورها بمأمن من هذه الجماعات الدينية المتطرفة. يكفي أن نعود إلى عصر الحروب الصليبية أو الطريقة التي توظف بها اللغة الدينية من أجل حشد الدعم للحربين العالميتين الأولى والثانية، إضافة إلى بقية الحروب الأخرى التي نشبت في العالم منذ تلك الفترة. في تلك الفترة كانت الجماعات الوطنية المشحونة تنشد أغنية «إلى الأمام جنودنا المسيحيين». أما الأمريكيون فقد تعلموا أننا نقتل أناسا لا يؤمنون بالرب. في شهر يوليو الحالي، احتضنت واشنطن مؤتمرا بعنوان «مسيحيون موحدون ومؤيدون لإسرائيل» وهي جماعات تصنف ضمن التيارات الدينية المتطرفة. تعتبر هذه الجماعة الراديكالية أن تأييدها لإسرائيل ضروري من أجل تكريس إرادة الرب على الأرض، هذه الإرادة تشمل تجميع اليهود في أرض فلسطين واعتناقهم المسيحية ومشاركتهم في معركة هرمجدون وصولا إلى عودة السيد المسيح. كان المتحدثون المشاركون في تلك الجلسة النقاشية، ومن ضمنهم وزير خارجية ونائب رئيس يحملون نفس هذه الأيديولوجيا المتطرفة كما أنهم يتحدثون عن «تكريس إرادة الرب على الأرض». لا ننسى أيضا مشكلة الجماعات القومية اليهودية المتطرفة والتي تضم عددا من الأحزاب السياسية الإسرائيلية المتنفذة وبعض القادة السياسيين والدينيين الذين يتمتعون بالعضوية في هذه الأحزاب السياسية والدينية. نقل عن بعض الحاخامات اليهود البارزين قولهم إن «أرواح الوثنيين غير بشرية»، لذلك فإن الوصية التي جاء فيها «لا تقتل» لا تنطبق عليهم إذا ما أزهقت أرواحهم. إن توظيف الدين من أجل تبرير أجندة سياسية متطرفة مشكلة منتشرة في بقاع عديدة من العالم، وكذلك الأمر بالنسبة إلى توظيف الدين - أي استخدام الدين من أجل تبرير العنف الذي يستهدف الآخرين. تجلى هذا الأمر بكل وضوح فيما ترتكبه المليشيات البوذية السريلانكية وتحريض ناريندرا مودي ضد المسلمين. لا ننسى أيضا الجرائم التي ترتكبها القاعدة وحركة حماس ضد الأبرياء، إضافة إلى ما يقوم به المستوطنون اليهود والذين ينغصون حياة الفلسطينيين ويسلبونهم أراضيهم ومن بين هذه الجماعات فصيل يعرف باسم «غووش أمونيم» والتي تسمى «جماعة المؤمنين». لذلك، من الأهمية بمكان العمل على فهم وتعرية ومكافحة هذه المعضلة؛ أي تسييس وتوظيف الدين وهو ما يؤدي إلى التجني على الدين وإساءة استعماله. أولا وقبل كل شيء يجب أن ننظر إلى هذه المشكلة على أنها عالمية وتعاني منها كل المجتمعات. لا يوجد أي دين بمنأى عن هذه المشكلة التي باتت تؤرق الدول والمجتمعات. يجب بعد ذلك أن ندرك أن السبب لا يعود إلى الدين نفسه كما أنه لا توجد أي تبريرات في أي دين من الأديان في العالم، لأن هذه الأديان قد تطورت مع مرور الزمن، من أجل تبرير قتل الأبرياء أو انتهاك حقوق البشر أو سلبهم ممتلكاتهم – لا يوجد أي من هذا في تعاليم بوذا أو فيداس أوأوبانيشاد أو قانون موسي أو نبوءة إسحاق أو القرآن أو تعاليم السيد المسيح. أما أولئك الذين يستندون إلى قول مأخوذ من هنا أو هناك من أجل التأكيد على صحة أيديولوجيتهم السياسية أو تبرير تصرفاتهم أو سلوكياتهم فإنهم يتجنون على العقيدة التي يؤمنون بها ويستخدمون في الحقيقة اللغة والنصوص الدينية من أجل الدلالة على صحة سياساتهم. إنهم ينجحون في ذلك لأن اللغة الدينية لها وقع وتأثير وجاذبية وقوة في الرمز والإيحاء. فلا فرق بين ذلك الذي يقول «سأقتلك لأنني أريد أرضك» وذلك المتطرف السريلانكي الذي يقول: «هذه أرض بوذا» أو أولئك المتطرفين اليهود الذين قد يقولون: «هذه أرض الرب الموعودة لنا». خلاصة الأمر، يتعين التحلي بالفطنة والعمل على فهم الدين حق فهمه. العقيدة لها مكانتها المركزية في فهم الدين. لا شك أيضا أن العقيدة تختلف عن اليقين بقدر ما تعني الايمان بما هو غيبي وغير معلوم للإنسان. هذا يختلف اختلافا تاما عن الأيديولوجية السياسية التي تكون دائما مؤكدة. عندما تستخدم اللغة الدينية فإن هذا الخلط والمزج يصبح مهلكا. هكذا تنتهك حرمة الدين الذي يوظف لخدمة أغراض معينة وتصبح علاقته بالإيمان بذلك ضعيفة. يجب أن نتساءل في هذا الصدد: «لماذا يحدث كل هذا؟» هناك إجابتان اثنتان على هذا السؤال. ففي المقام الأول يجب أن نندد بتلك الجماعات التي توظف قوة ورمزية اللغة الدينية من أجل تحقيق أجندتها السياسية. يجب أن نعمل بعد ذلك على تشخيص الأسباب الجذرية التي جعلت بعض الناس ينضمون إلى مثل هذه الجماعات ويتبعون مثل هؤلاء القادة الذين يوظفون الدين لتحقيق أغراضهم. من خلال استطلاعات الرأي والأدبيات السوسيولوجية بشأن هذه المسألة أمكن لنا تحديد عدة عوامل تظهر كيف أن بعض الأفراد يفقدون القدرة على التحكم في حياتهم بسبب بعض الضغوط الاقتصادية القاسية والأزمات السياسية والتفكك الاجتماعي. في بعض المجتمعات نجد أن هذه المشكلة قد تعزى إلى الصدمة الناجمة عن التوسع العمراني وسرعة التغييرات الاجتماعية المتعاقبة. في بعض الحالات الأخرى نجد أن هذه المشكلة قد تكون ناجمة عن حالة الكساد الاقتصادي وفقدان الوظيفة وضياع مورد الرزق، إضافة إلى غموض المستقبل. لا بد أن نذكر بعض العوامل الأخرى التي تسهم في تفاقم هذه المشكلة مثل الشعور الحاد بالاغتراب ومختلف حالات التفكك الأخرى التي قد يعيشها بنو الإنسان في مجتمعاتهم. في كل هذه الحالات نجد أن الأفراد تتزعزع قناعاتهم ويطفقون يبحثون عن الأجوبة التي تفسر لهم ظروفهم. عندها يصبحون صيدا سهلا وفريسة لأولئك القادة أو الحركات التي تستغل مشاكلهم ومخاوفهم وشعورهم بانعدام الأمان. يعمل هؤلاء الأفراد وهذه الجماعات الراديكالية المتطرفة على تغليف خطابها باللغة الدينية المألوفة وهم يستهدفون أولئك الأشخاص الذين يعانون من هشاشة كبيرة وفقدوا من ثم السيطرة على حياتهم بسبب عديد من العوامل. يتم التركيز أساسا على فكرتين رئيسيتين: العودة إلى «أساليب الماضي» - ومنها جاء مفهوم الأصولية – إضافة إلى «تأثيم» الحاضر في مقابل تمجيد «الماضي المثالي» وتصويره في صورة «رومانسية». يترافق هذا الأمر في أغلب الأحيان مع شيطنة جماعة أخرى أو طريقة أخرى مختلفة في الحياة واعتبارها سبب كل مشاكل الحاضر. لقد اتخذت هذه المسائل عدة أشكال في مختلف المجتمعات والعصور. قد يكون «الآخر» أقلية تعاني من الهشاشة في داخل مجتمع من المجتمعات الانسانية وقد يرى البعض في تنامي قوة هذه الجماعة خطرا يتهدد «نمط حياتهم» أو عدوا خارجيا أو جماعة ناشئة في صلب أحد المجتمعات التي تعاني من التفكك. قد يكمن السبب أيضا في التغييرات التي تطرأ على نمط الحياة جراء التحولات الاجتماعية العميقة. ينطبق هذا الأمر على كل الحركات المتطرفة التي درستها، سواء الماضية أو الحاضرة، وسواء في الغرب أو في الشرق. إن توظيف الدين يوفر الشعور بالأمن لأولئك الذين يشعرون بالضياع. إنها ظاهرة عالية ولا تنحصر من ثم في دين أو مجتمع في العالم. لو توقف الأمر عند هذا الحد لما انطوى على أي خطورة. يكتسي الأمر خطورة أكبر عندما تعمد إحدى الجماعات أو الأطراف الفاعلة في الدولة إلى تغطية وإخفاء أجندتها السياسية أو عندما تمارس تبريرها للعنف. أن ندين هذا التصرف فهذا أمر ضروري، أما أن نحصر انتقاداتنا في دين معين ونفشل في تبين ومعالجة الأسباب الجذرية فهذا أمر آخر. ‭{‬ رئيس المعهد العربي الأمريكي

مشاركة :