عواصم - وكالات: منذ أن بدأ حصار قطر من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر، عام 2017، كانت الحرب الإعلاميّة هي الأساس الذي بنت عليه تلك الدول مزاعمها الأساسيّة، لكنها فشلت سريعاً في ذلك. وانطلقت بوادر الحصار بعد قرصنة وكالة الأنباء القطرية «قنا»، في 23 مايو 2017، لتليها حملة إعلامية مبرمجة بهدف تشويه سمعة قطر بغية تنفيذ خطة الحصار، إلا أنّ الإعلام القطري كان احترافياً ومهنياً وموضوعياً، بشهادة الأصدقاء والأعداء الذين أجبروا على الاعتراف بذلك. الإقرار بالهزيمة ورغم محاولات دول الحصار مجتمعة، وبكل مؤسساتها الإعلاميّة من قنوات تلفزيونية، وإذاعات، وصحف، ومواقع إلكترونية، والحملات المدروسة عبر «الذباب الإلكتروني» السعودي على مواقع التواصل، أن تؤثر في الشعوب العربية وتقنعها بصحة خطوتها تجاه قطر، فإنها فشلت فشلاً ذريعاً وأخلاقياً في ذلك. وبقيت قنوات قطر الإعلاميّة ومؤسساتها - مع قلتها مقارنة بأربع دول مجتمعة - ذات حضور عربي ودولي رائد، مقدّمة أخبارها وتغطيتها لحصار قطر وما يتصل به بكل مهنيّة وموضوعية. وفي إطار ذلك أقرّ عبد الخالق عبد الله، المستشار السابق لولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، بتفوّق الإعلام القطري على وسائل دول الحصار، مؤكداً بلوغ تأثير الخطاب الإعلامي القطري العالمية. وقال الأكاديمي الإماراتي، في تغريدة له نشرها بموقع تويتر، في 2 أغسطس 2019: «أقولها بكل صراحة: خطابهم الإعلامي أقوى تأثيراً في الرأي العام العربي والعالمي من خطابنا الإعلامي»، في إشارة للإعلام القطري. مستشار ابن زايد لم يكن الأول الذي يعترف بنجاح التجربة القطرية الإعلامية؛ ففي مقابلة سابقة للأمير السعودي، الوليد بن طلال، مع قناة «روتانا خليجية»، عام 2013، قال فيها: «دراساتنا أثبتت أن الجزيرة قناة الشعوب وقناة الشارع العربي، فيما أنّ قناة العربية قناة القيادات والحكومات والحكّام». ومع التخبّط السياسي والإعلامي الذي شهدته المملكة في التعامل مع تداعيات اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده بإسطنبول التركية، في أكتوبر الماضي، وما سبقه من تعاطٍ مع الأزمة الخليجية، أقالت مجموعة «إم بي سي» السعودية المدير العام لقناة «العربية»، تركي الدخيل، في يناير الماضي. وفي 27 يوليو الماضي، قالت وسائل إعلام إماراتية إن حكومة أبوظبي أقالت مدير عام «شركة أبوظبي للإعلام»، علي بن تميم، بعد الجدل الواسع في الخطاب البعيد عن ثقافة الشعوب العربية التي انتهجها، والتي لا ترضي الرأي العام عربياً فيما يبدو. أسباب النجاح وعلى تغريدة مستشار ولي عهد أبوظبي علّق مئات الصحفيين العرب والمغرّدين، مبينين أسباب نجاح الدوحة في خطابها الإعلامي وفشل «إعلام الحصار». الصحفي اليمني أنيس منصور قال في أحد ردوده على التغريدة: «خطابكم كله إشاعات وفبركات وتزوير واتهامات وتصفية حسابات ومناكفات ويفتقر للحقيقة». في حين قال الإعلامي محمد الربع: «لأنهم (وسائل إعلام قطر) استثمروا في العقول وأنتم في الطبول. يبحثون عن الأكثر كفاءة وأنتم تبحثون عن الأكثر تفاهة». بدوره اعتبر الباحث السعودي فهد الغفيلي أنّ «الخطاب الإعلامي عادةً يغطي النهج السياسي»، ناصحاً عبد الله بأن يقدم استشارات لتغيير النهج السياسي لأبوظبي، فهكذا «سيصبح خطابكم مؤثراً تلقائياً». وتساءل: «إذا كان قائماً على دعم الانقلابات والثورات المضادة وتقويض استقرار الدول، فكيف سيكون خطاباً إعلامياً مؤثراً؟ وكيف سيقنع الناس بالطاغية والفاسدين والمجرمين؟». وقال الإعلامي المصري هيثم أبو خليل: «كلمة حق منك يا دكتور.. أفتخر أنني من ضمن هذا الإعلام الذي تميز عن إعلام السقوط والتبعية بكلمة سر واحدة فقط وهي الحقيقة، وهي ما تفتقر له تماماً دكاكين سكاي نيوز والعربية وغيرها!». أما الصحفي العراقي عمر الجنابي فعلق قائلاً: «المهنية والحرفية لدى كوادر الجزيرة تجعل كل صحفي وإعلامي يطمح بالانضمام لهذا الكادر». وردّ بعض إعلاميي قناة «الجزيرة» على عبد الله؛ فقد قالت الإعلامية البارزة غادة عويس: «متى أستضيفك مجدداً دكتور في #ما_وراء_الخبر، ولك كل المساحة والمنبر كاملاً حتى تؤثّر كما تشاء بمن تشاء؟». وأردفت: «أهلاً وسهلاً بك متى شئت.. وبالمناسبة، هذا هو سرّ القوة والتأثير؛ ألا تخاف من الرأي الآخر، بل تستضيفه وتحاوره بدل شتمه، ثم تقطيعه بالقنصليات! (في إشارة إلى جريمة قتل خاشقجي)». من جهته قال مقدم نشرة الأخبار في قناة «الجزيرة»، الإعلامي جمال ريان: «أخيراً اعترفت يا دكتور، أشكرك وأحترمك على صراحتك، الاعتراف بالحق فضيلة». الحصار زاد قوة إعلام قطر وكان إغلاق «الجزيرة» من بين أبرز مطالب دول حصار قطر الأربع لإعادة علاقاتها مع الدوحة وفك الحصار عنها، وهو ما زاد القناة الإخبارية قوة وحضوراً، وشدد تمسك الدوحة بها؛ باعتبارها القناة الأولى عربياً ومن بين الأبرز عالمياً. وتعاملت القناة بشكل خاص مع الحصار بموضوعية فريدة من نوعها، إذ بقيت على شعارها في إيصال صوت «الرأي والرأي الآخر»، وإبراز ضيوف يمثلون الجهة المقابلة في كل البرامج والنشرات التي تخصّ الحصار، وأي موضوع يمتّ له بصلة. وحظيت خلال الأزمة المفتعلة بالتقدير لدى الملايين، وزاد عدد متابعيها رغم إغلاق مكاتبها وحظر متابعتها في دول الحصار، كما أصدرت الشبكة منصات جديدة للبث الرقمي على الهواء، وأطلقت خدمة إخبارية على الموقع الإلكتروني باللغتين الصينية والإندونيسية، وهو إنجاز يُحسب للشبكة. وحصلت القناة العالمية على عدة جوائز عالمية في ظل الأزمة، ما يؤكد أن خطها التحريري كان قوياً منذ البداية وحتى اليوم؛ بسبب أجواء الحرية التي أعطيت لها منذ تأسيسها في الدوحة عام 1996. وعلى غرار «الجزيرة» برز الإعلام القطري المحلي، الذي كان غير متابع عربياً بشكل قوي قبل الحصار، ما زاد من شهرته وحضوره عبر برامج تقدم حقيقة ما يجري؛ لا سيما المؤسسة القطرية للإعلام، التي قدمت خطاباً موضوعياً متوازناً أثبت كفاءة عالية في فهم الأزمة. وحصدت «القطرية للإعلام» جائزتين قيمتين في المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون بتونس، عام 2018، في مجال الدراما التلفزيونية؛ عن المسلسل التاريخي «أحمد بن حَنْبَل»، والجائزة الثانية في فئة البرامج التلفزيونية عن برنامج «الوتر الخامس». يشار إلى أنه خلال فعاليات المؤتمر السنوي الـ67 للمعهد الدولي للصحافة، الذي عقد بالعاصمة النيجيرية أبوجا، عام 2018، اعتبر ممثلو المنظمات الحاضرة أنّ الإعلام القطري نجح في التعاطي مع الأزمة الخليجية، خلافاً لدول الحصار التي انتهجت ممارسات مُسيئة لأخلاقيات المهنة ولحريّة الإعلام.
مشاركة :