يمكن للشركات الاستفادة بشكل كبير من خلال مساعدة المهنيين العالميين ذوي الخبرة على نقل عملهم إلى المقر الرئيس والحصول على حياة مستقرة جغرافيا. يعيش اليوم ملايين الأشخاص حياة عالمية بالفعل. وتعد هذه المجموعة التي أطلق عليها اسم "المواطنون العالميون" واحدة من أسرع المجتمعات نموا في العالم. ويشكل المواطنون العالميون مجتمعا بشريا سريع النمو ومتعدد اللغات، ويضم أفرادا على مستوى عال من التعليم ممن عاشوا وعملوا ودرسوا لفترات طويلة في أماكن جغرافية ذات ثقافات مختلفة. تطوير الرواية المهنية عندما يريد المواطنون العالميون العودة إلى المقر الرئيس تشكل السمات الخاصة بالمواطنين العالميين موضوع مشروعي البحثي المستمر، الذي تمخض عنه عديد من المؤلفات بما في ذلك: "المواطنون العالميون .. قمة الإبداع والتميز" Global Cosmopolitans: The Creative Edge of Difference و"عقلية المواطنة العالمية" The Global Cosmopolitan Mindset. وغالبا ما يصف المواطنون العالميون الحياة كلوحة فسيفسائية تصبح مع الوقت بكل عناصرها المتنوعة والمتباينة جزءا من شخصية الفرد. إنهم يطورون قصصهم خلال رحلتهم في الحياة، ويصنعون رواية شخصية تعكس ماهيتهم وتطلعاتهم والتغييرات التي يشهدونها في هويتهم وحياتهم الشخصية والمهنية مع مرور الوقت. وفي ظل هذه التغييرات، تتغير الأولويات، حيث تظهر أولويات جديدة واضحة وأخرى محتملة. وفي حين أنهم قد يختارون الإقامة في بلد واحد لفترة من الوقت، إلا أنهم يحافظون على منظور عالمي ويتمتعون بالقدرة على المساهمة في حل عديد من التحديات، ما يثمر عنه إحداث تغيير إيجابي في الشركات العالمية. الانتقال إلى مناصب إدارية عليا من الأمثلة الشاهدة في هذا السياق حالة إيزابيلا، وهي مواطنة إسبانية عملت في عدة دول قبل أن تبلغ أخيرا وجهة أحلامها في مقر الشركة في إنجلترا. لذلك، عندما طلب منها مجددا نقل عملها إلى دولة أخرى، كان عليها أن تقيم خياراتها، ولا سيما أنها تمكنت بعد سنوات عديدة من الخدمة المخلصة والناجحة في جميع أنحاء العالم من الحصول على منصب مؤثر، فضلا عن الفرصة التي سيقدمها لها عملها في المقر الرئيس لتحقيق طموحها بالانضمام إلى فريق الإدارة العليا. وعلاوة على ذلك، كانت هي وزوجها الإنجليزي على استعداد للاستقرار في المملكة المتحدة، حيث قاما بشراء منزل في موقع متميز في لندن ووجدا مدارس مناسبة لأطفالهما. أبلغت إيزابيلا رب عملها وقسم الموارد البشرية رغبتها في البقاء والانضمام إلى فريق الإدارة، ودعمت رغبتها بتوصيف مفصل بعناية لمستوى النضوج الذي وصلت إليه كقيادية عالمية، واستعدادها لتحمل مسؤولية أكبر في هذه المرحلة من حياتها المهنية. في غضون أشهر، بدأ قسم الموارد البشرية في إبراز الفرص القيادية المتاحة لها في بلدان أخرى. وعلى الرغم من أن هذا قد جعلها تشعر بأهميتها كمديرة تنفيذية عالمية ترتبط إمكاناتها القيادية بقدرتها على التنقل على نطاق عالمي، إلا أنها ترى نفسها اليوم قيادية خاضت تجربة مهنية عالمية أكسبتها المهارات اللازمة لقيادة فريق عالمي داخل المقر الرئيس للشركة. وعندما اقترح عليها أعضاء في الإدارة العليا أستراليا كنقلة مهنية ممتازة، أدركت أن الوقت قد حان للتغيير ونقلت مواهبها إلى شركة أخرى. الارتقاء بالأهداف الشخصية والمهنية لقد وجدت في بحثي أن المواطنين العالميين عندما يصلون إلى مستوى خبرة إيزابيلا، فهم حتما طوروا الثقة والمعرفة والمهارات الكفيلة بتأهيلهم ليكونوا قياديين عالميين. وإضافة إلى الخبرة والمعرفة والمهارات، فهم يتمتعون بعقليات عالمية تمكنهم على سبيل المثال من تقييم التحديات من منظور عالمي ومحلي ــ وهي سمة أساسية تحتاج إليها الشركات في ظل المشهد المربك للأعمال العالمية وتنامي النزعة القومية الاقتصادية. ومن شأن التعقيدات التي تنطوي عليها الحياة العالمية أن تؤثر في الطريقة التي ينظر بها أشخاص مثل إيزابيلا إلى هوياتهم وإلى ما يلزم لإنشاء حياة ذات معنى بالنسبة لهم. وعلينا أن نأخذ بالاعتبار أن المواطنين العالميين لا يقيسون الإنجاز المهني بالترقيات وزيادة الرواتب فقط، ولكن أيضا بالقدرة على مواصلة التعلم والنمو. ولذلك، فهم ينظرون إلى حياتهم العملية كفرصة لاستخدام ما تعلموه وإظهار شخصيتهم التي طوروها خلال رحلة نموهم. كما أن مفهومهم للوطن مختلف، فقد يكون فكرة مجردة أكثر من كونه مكانا جغرافيا ملموسا، ويمكن أن يشعروا بالانتماء إلى أكثر من مكان واحد. وإذا كان إنشاء سرد متماسك للمسيرة المهنية أمرا صعبا على المهنيين المحليين، فمن الممكن تخيل مدى صعوبة ذلك بالنسبة للمواطنين العالميين. وكل مغامرة جديدة تقدم معها فرصة للتحول، وتتطور قصصهم المهنية بشكل مستمر لتصبح أشبه برواية بدلا من قصة قصيرة. ويبقى تقييم حجم الشوط الذي قطعوه وتوضيحه للآخرين تحديا ماثلا... يتبع.
مشاركة :