في رواية قديمة قالوا إن اليهود هم من أوصل كتب ابن رشد إلى العالم الخارجي من خلال ترجمتها من العربية إلى العبرانية ومنها إلى اللاتينية، فلم يكن هناك أحجية فقد كان في دائرة الترجمة عدد من المترجمين اليهود والمسلمين الأندلسيين المنضمين إلى أوروبا، وكان لهذا الانتشار فضل يعود لرئيس أساقفة طليطلة مونستيور دريموند واليهودي يوحنا الأشبيلي ونستطيع القول هنا إن هذه الواسطة إيجابية محمودة فقد عرفه فلاسفة اليونان مثل أرسطو وغيره من القديسيين واللاهوتيين في العصور المتوسطة ودخلت الفلسفة العربية إلى أوروبا وانتشرت أيضاً علوم ابن سينا والفارابي والكندي. والحقيقة التي يجري الحديث عنها، لا تقع ضمن ما يعرف بتشويه الواقع، وإنما يضطر الكاتب أو المؤلف إلى معاملة ماهو سيئ لكي ينتج ما هو أخاذ وجميل في الحياة العامة، لئلا يكثر السيئون وتفسر علاقة الإنسان بالآخرين بمصالح شخصية منفعية فقط بعيدة عن ثقافة التبادل وغيرها من الأخلاق الحميدة، وتنحو نحو محيط القبيلة العميق الذي غرقت به البيئة الاجتماعية والثقافية، فمنذ العصور السابقة والقبيلة لها تأثير كبير على العقد الاجتماعي ومن وجهة نظر جان جاك روسو: وهو مايعتقده (أن الحالة الأصلية للإنسان كانت مسالمة وديعة تسودها قيم أخلاقية والاثرة بين أطياف المجتمع ثم جاء التطور التقني والاقتصادي حيث أدى هذا التطور إلى ظهور المقارنات والملكية الخاصة، وبالتالي أدت الملكية الخاصة بين الناس إلى ظهور الصفات السيئة). والبحث عن ظواهر المجتمع وأنماط القبيلة في بنيتها الداخلية يغلب عليها الأفكار المتعصبةً والتجذر العنصري الذي يحابي الفرد حسب انتمائه ومكانة قبيلته في المنظومة الاجتماعية، فالإنسان أياً كان مرجعه فهو مشروع بحد ذاته يجب استثماره دون تعالٍ وتناقضات تعرقل مسيرته ودوره في الحياة وحقوقه التي يتساوى فيها مع الآخرين. وأظن أنه أمر رهيب أن تخسر فرصتك من أجل آخر دون وجه حق، فكيف يحافظ المرء على هدوئه وهو يشعر بالظلم، وتجد أن الصعوبة تكمن بين ماهو إنساني وما يتوجب أن يكون، فعندما تشعر بالبرد في أعماقك من جراء سلب حق من حقوقك لآخر أقل منك كفاءة ومستوى ويحتل مكانك فإنك حتماً تعيش على كتلة جليدية متحركة وقد تقطعت بك الأسباب وهجرتك الشمس، ولم يعد بوسعك إلا العيش على مساحة مجمدة لا ملامح لها سوى صفحة بيضاء كُتبت الحروف عليها بلون أصفر شاحب انعدمت رؤيته، وأفق شاسع سرابه جامد غير متحرك وكأن حياتك هامشية ليست عميقة بما فيه الكفاية وليست ممتعة بقدرما تبدو. أما الأسئلة المباشرة التي تفرض استفهامها حول الفساد في المجتمع وأثرها السلبي على الفرد والإنتاج وماترتب عليها. متى تتحرر جهود وأفعال وطموح الفرد من إجحاف الواسطة؟ وهل يجدر بنا القبول بها كنوع من المسلمات أم محاربتها والتصدي لها؟ فيما تظل الواسطة والمحسوبية علاقة مضطربة تؤدي إلى العداء والحقد وهضم حقوق الآخرين، ويعاني منها البسطاء وتحرض على غياب الضمير والوازع الديني تنتهي إلى ارتفاع معدل البطالة، هل ترانا نستفيد من المجتمعات الغربية التي لا تعترف إلا بوجود الكفاءات العلمية والخبرات؟!
مشاركة :