«الاقتصادية» من الرياض ربط الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أمس المفاوضات التجارية بين واشنطن وبكين بتسوية الأزمة التي تشهدها هونج كونج منذ أكثر من شهرين، معبرا عن أمله في أن تتصرف الصين تصرفا "إنسانيا". بحسب "الفرنسية"، كتب ترمب في تغريدة "في الصين تزول ملايين الوظائف لتذهب إلى دول لا تخضع لرسوم جمركية وآلاف الشركات تغادر هذا البلد.. بالتأكيد تريد الصين إبرام اتفاق مع الولايات المتحدة، لكن ليتصرفوا بإنسانية مع هونج كونج أولا". بعد ذلك، كتب ترمب تغريدة أخرى لهجتها مختلفة، أكد فيها أن بإمكان الرئيس الصيني شي جين بينج حل الأزمة الناتجة عن المواجهة بين الحكومة والمتظاهرين في هونج كونج بطريقة "إنسانية"، واقترح عقد لقاء مع الزعيم الصيني. وقال ترمب "أعرف الرئيس الصيني شي جين بينج جيدا، إنه زعيم كبير يحظى بكل الاحترام من شعبه، وهو جيد أيضا في القضايا الشاقة"، مؤكدا "ليس لدي أي شك في أن الرئيس شي يريد تسوية مشكلة هونج كونج بسرعة وبطريقة إنسانية، وهو قادر على القيام بذلك". وأضاف عبارة "لقاء شخصي" في نهاية تغريدته، فيما بدا كأنه يتوجه بشكل مباشر إلى الرئيس الصيني، ويواجه الرئيس الأمريكي انتقادات من كل الأطراف في الولايات المتحدة بسبب موقفه من التظاهرات في هونج كونج وتجنبه انتقاد بكين في إطار هذه الأزمة غير المسبوقة في المدينة. حتى الآن أبدت إدارة ترمب حذرا في موقفها من الأزمة في هونج كونج، على الرغم من أنها تخوض منذ أشهر مواجهة مباشرة مع الصين في مجال التجارة ومنافسة دبلوماسية عسكرية معها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. ودفع هذا التكتم الأمريكي بعض المراقبين إلى التساؤل من دون الاستناد إلى معطيات محددة، حول إذا ما كان ترمب مستعدا إلى تجاهل قمع صيني محتمل لتظاهرات هونج كونج مقابل تحقيق تقدم في المفاوضات التجارية. وأفادت وزارة المالية الصينية أمس أنها ستضطر إلى اتخاذ إجراءات مضادة حتمية في مواجهة قرار الولايات المتحدة بفرض أحدث رسوم جمركية على سلع صينية بقيمة 300 مليار دولار. وأضافت "الرسوم الجمركية الأمريكية تنتهك تفاهمات توصل إليها رئيسا البلدين، وتنحرف عن المسار الصحيح لتسوية النزاعات عبر المفاوضات". وتراجع ترمب عن جزء من الخطة يوم الثلاثاء الماضي، إذ أرجأ فرض رسوم جمركية على بعض السلع التي تضمها القائمة المستهدفة مثل الهواتف الخلوية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة وبعض السلع الاستهلاكية، على أمل تقليص تأثير الرسوم في المبيعات في موسم العطلات الأمريكية، لكن الرسوم ستُطبق على تلك المنتجات اعتبارا من منتصف كانون الأول (ديسمبر). ينظم المحتجون في هونج كونج منذ عشرة أسابيع تظاهرات مستمرة للمطالبة بمزيد من الحريات، بما في ذلك اعتصامات شلت مطار المدينة الذي يعد أحد أكثر المطارات ازدحاما في العالم. وأعربت الولايات المتحدة عن قلقها من تحركات القوات الصينية على الحدود مع هونج كونج، ودعت بكين إلى احترام التزاماتها في الإعلان الصيني البريطاني المشترك للسماح لهونج كونج بممارسة "أعلى درجات الحكم الذاتي". بموجب اتفاق عام 1997 الذي شهد عودة هونج كونج من الحكم الاستعماري البريطاني إلى الصين، فإن المدينة تهدف إلى التمتع بحريات أوسع من تلك المسموح بها في البر الصيني. وأعلنت حكومة هونج كونج أمس عن حزمة دعم اقتصادي بقيمة 19.1 مليار دولار هونج كونج "2.44 مليار دولار" لمواجهة التداعيات السلبية للاحتجاجات السياسية المتفاقمة والحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة. وكشف بول تشان وزير المالية النقاب عن الخطة في مؤتمر صحافي بعدما قال "إن الحكومة تتوقع خفض توقعاتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي لعام 2019 إلى ما بين صفر و1 في المائة من المعدل المتوقع أصلا وهو ما بين 2 و3 في المائة". ويرى تشان أن الإجراءات تشمل دعم شركات الأعمال والشركات المتعثرة وزيادة تخفيضات الضرائب على الرواتب، لكنه أكد أنه لا علاقة لهذه الإجراءات بالضغط السياسي من المحتجين، مضيفا أنه "من المنطقي والعقلاني افتراض أن العوامل غير المواتية للاقتصاد ستظل قوية للغاية". وتشهد هونج كونج، المركز المالي العالمي أسوأ أزمة منذ انتقالها من حكم بريطانيا إلى الحكم الصيني في عام 1997 بعد عشرة أسابيع من المواجهات العنيفة بشكل متزايد بين الشرطة ومحتجين مناهضين للحكومة. ويلغي السائحون حجوزات الفنادق، وتتوقع متاجر التجزئة انخفاضا حادا في المبيعات، ما يضيف إلى الضغوط التي تعانيها الشركات المحلية بسبب الحرب التجارية المستمرة منذ عام بين الصين والولايات المتحدة والتباطؤ الاقتصادي الصيني الأوسع نطاقا. وحذرت كاري لام الرئيسة التنفيذية لهونج كونج من أن موجة التباطؤ المقبلة ستعصف باقتصاد المدينة مثل "تسونامي"، مشيرة إلى أن حكومتها ستكون "أكثر جرأة" في دعم النمو. لكن كليف تان رئيس قسم أبحاث الأسواق العالمية لمنطقة شرق آسيا في مؤسسة "إم.يو.إف.جي"، أوضح أن حزمة الدعم التي ستقدمها الحكومة لن تفلح على الأرجح في التصدي للضغوط النزولية في هونج كونج صاحبة الاقتصاد الصغير المفتوح. وأضاف "العالم يتجه نحو الركود.. لن تكون هونج كونج قادرة على اجتياز ذلك دون أن تتأثر"، مشيرا إلى أن اقتصاد الصين يعاني بدوره. وقال ليو شياو مينج سفير الصين في لندن أمس "إن الصين لن تقف مكتوفة الأيدي، ولديها الإمكانات لإعادة الهدوء بسرعة، إذا خرجت الأزمة في هوج كونج عن السيطرة". وأضاف "إذا تدهور الوضع وتحول إلى اضطرابات لا تقدر حكومة المنطقة الإدارية الخاصة على السيطرة عليها، فإن الحكومة المركزية لن تقف مكتوفة الأيدي، لدينا حلول كافية وقدرة كافية لقمع الاضطرابات بسرعة". من جهة أخرى، قرر عدد من الشركات الصينية إعادة النظر في قرار طرح جزء من أسهمه للاكتتاب العام الأولي في بورصة هونج كونج، على خلفية الاضطرابات الشعبية والسياسية المناوئة للحكومة في المدينة، وهو ما يمثل تطورا سلبيا بالنسبة إلى هونج كونج التي تعد ممرا ماليا محوريا بين أكبر اقتصاد في آسيا وبقية العالم. ونقلت وكالة "بلومبيرج" للأنباء عن مصرفي كبير القول "إحدى الشركات الصينية ألغت استعداداتها الأولية لطرح أسهم بقيمة 500 مليون دولار في بورصة هونج كونج بسبب الاضطرابات، وقررت طرح أسهمها في سوق المال الأمريكية". ونقلت الوكالة عن مصرفي آخر مطلع، أن شركتين أخريين على الأقل تدرسان الخطوة نفسها بشأن طرح أسهم بقيمة مليار دولار، مضيفا "القرار النهائي بالنسبة إلى الشركتين سيتخذ وفقا لظروف السوق، وإذا ما كانت الاحتجاجات ستتراجع في هونج كونج". وذكرت "بلومبيرج" أنه رغم قلة قيمة الطروحات المهددة بعدم التنفيذ في هونج كونج، فإنها تمثل إشارة سيئة بالنسبة إلى وضع بورصة هونج كونج باعتبارها واحدة من أهم المراكز المالية في العالم. وأوضح المصرفيان الكبيران أن عملائهما الصينيين شعروا بالقلق من غلق مطار هونج كونج لمدة أسبوع تقريبا وغيره من الصعوبات اللوجيستية التي سببتها الاحتجاجات. ويشعر المستثمرون بالقلق من مدى استقرار أوضاع المدينة التابعة سياسيا للصين، بما يضمن استقرار النشاط الاقتصادي فيها على المدى الطويل. وفقد مؤشر "هانج سينج" الرئيس لبورصة هونج كونج أكثر من 12 في المائة من قيمته خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، مع تزايد المواجهات العنيفة بين المحتجين وقوات الأمن في المدينة وتزايد المخاوف من احتمالات تدخل الصين عسكريا للسيطرة على الأوضاع. وكان المتظاهرون احتلوا مناطق في مطار هونج كونج الدولي لخمسة أيام متتالية في الأسبوع الماضي، ما تسبب في إلغاء مئات الرحلات الجوية واندلاع مشادات عنيفة بين المتظاهرين وشرطة مكافحة الشغب. وقام بعض المتظاهرين اليوم بتوزيع منشورات لسائحين يعتذرون فيها عن تأخير الرحلات الجوية، وحدوث توترات بين المتظاهرين والمسافرين
مشاركة :