كان الدافع لكتابة قصيدة المدح دافعًا قويًا في الماضي، فقد أسهم تقريب الخلفاء والأمراء للشعراء وتشجيعهم بالأموال والعطايا في استحواذ غرض المدح على النصيب الأكبر من حجم دواوين الشعراء العرب الكبار، فبحسب أحد الباحثين فقد شكل المدح نسبة 51% من شعر البحتري و 45% من شعر أبي تمام، وحظي باهتمام كبير من قِبل الشعراء الآخرين الذين نالوا الشهرة الأوسع من بين الشعراء. كما كانت المجالس التي تجذب شعراء المدح بيئة خصبة لطرح الآراء والأحكام النقدية حول الشعر والشعراء على اختلاف توجهاتهم ومستوياتهم. وتؤكد كثير من السجالات النقدية على هامش القصائد التي تُلقى في تلك المجالس أن حصول الشاعر على جائزة مقابل قصيدته لم يكن بالأمر السهل دائمًا، فالمستمعون هم نخبة أهل الشعر والأدب خبراء صناعة الشعر، وحكمهم على قصيدة الشاعر له أهميته في تحديد قيمة القصيدة ومنحها درجة التقييم التي تستحقها، وفي كثير من الأحيان تأتي الأحكام صريحةً وصارمة في نقد خطأ الشاعر، ومن ذلك على سبيل المثال أن أحد الشعراء مدح أحد الأمراء بقصيدة حرص في مستهلها على تصوير المعاناة والمشقة التي واجهته خلال تسعين ليلة في رحلته إلى الممدوح، وبعد أن أنهى قصيدته تكلم أحد الشعراء الحاضرين بكلام سجل فيه عدد من الملاحظات على القصيدة وقال: "ما أعجب ما وفدت به من بلدك في تسعين ليلة! مدحت الأمير ببيتين، وسألته حوائجك في عشرة أبيات، وختمت شعرك ببيت تفخر عليه فيه". الملاحظة الرئيسية التي يسجلها الشاعر/الناقد على زميله هي طغيان اهتمامه بنفسه على اهتمامه بالممدوح، إذ يمنح الأمير بيتين من المدح فقط ويستأثر هو بعشرة أبيات يُدون فيها حوائجه وطلباته، مع أن المفترض هو حدوث عكس ذلك، لكن حرص الشاعر وجهله بأدبيات المدح يوقعانه في حرج شديد كاد أن يفقده الجائزة لولا عطف الأمير وكرمه. ما فعله ذلك الشاعر هو ما يفعله عدد من شعراء اليوم أيضا سواءً في قصائد المدح أو في غيرها، إذ تتجه عناية الشاعر نحو طلب الشهرة والمكاسب برصيد شعري زهيد، وحين لا يتحقق له أي منها يُعلق فشله بأسباب واهية كالظلم الإعلامي وتردي ذائقة الجمهور، ولو اهتم الشاعر بمستوى قصيدته وبالأثر الذي يمكن أن تتركه في نفوس المتلقين لاستطاع الحصول على ما يطمح إليه من خلالها بجدارة واستحقاق. أخيرًا يقول نايف صقر: القصايد مورقة والوطن حبه غرام والأراضي فوقنا لو مشينا فوقها إن ذكرنا فعل أهلنا اليا ثار العسام هقوة الديرة بالارواح كيف نبوقها وإن غشانا ضيم الأيام سلينا الحسام والمنايا لا حضرنا تبارك سوقها دارنا يا سعدها لانتخت فينا الهمام لا ثنينا ركبة الحق دون حقوقها
مشاركة :