غياب شكوى الشعراء من ظلم وسائل الإعلام وتقصيرها أحد الأمور الجيدة التي نتجت عن انتقالنا لمرحلة جديدة من مراحل نشر القصيدة، فقد أضحى متاحًا لكل شاعر مع ثورة وسائل التواصل الاجتماعي نقل صوته إلى الناس بشكل مباشر وبحرية تامة ومن دون المرور بوسيط أو رقيب يتحكّم في مضمون المادة الشعرية ووقت نشرها، لكن ما وفرته هذه الوسائل من جانب كان له ضريبته من جوانب أخرى، وفي هذا دلالة على أن كل مرحلة من الزمن كفيلة بإنهاء مشكلات قديمة وخلق مشكلات جديدة أو قديمة تعود للظهور في صورة جديدة. وشكوى الشعراء من الخطأ في نسبة أبياتهم وقصائدهم أحد أبرز مظاهر هذه المرحلة، ولا تكاد تخلو حوارات الشعراء وتصريحاتهم من الشكوى من نسبة أبياتهم لغيرهم لاسيما نسبتها للشعراء الأوسع شهرة، فمن المؤسف أن تعدّد نسبة الأبيات إلى أكثر من شاعر ظاهرة لم نستطع التخلص منها برغم زوال كثير من مسبباتها القديمة التي كان أبرزها قِلة التدوين والاعتماد على الرواية الشفوية للشعر، ففي السابق أدت الرواية الشفوية لحدوث الكثير من الخلط والتداخل بين القصائد المتشابهة، كما أدت للإساءة لبعض الشعراء المبدعين بتحريف أشعارهم أو نسبة قصائد منحولة لهم، أو تضييع حقوقهم بنسبة ما أبدعوه إلى شعراء آخرين. لا شك أن ظاهرة نسبة أبيات الشاعر لغيره في وقتنا الحاضر تبرز في صورة أخف وأهون مما كانت عليه في الشعر العربي القديم، إذ لا نجد قصائد كثيرة تُنسب للشاعر وهي ليست من نظمه كما حدث في بعض نسخ ديوان مجنون ليلى الذي تُنسب له عشرات القصائد والمقطوعات لمجرد أنها نُظمت في محبوبة اسمها "ليلى". كما لا نجد قصيدة تنسب مقاطع منها للعديد من الشعراء، كما حدث مع بائية ابن الدمينة التي يقول في مطلعها: "أمِنكِ أُميمُ الدارُ غيّرها البِلى"، إذ تحدّت مُحقق ديوان الشاعر عن طول هذه القصيدة قائلاً: "وما نظن طولها المفرط إلا ناشئًا عن إدخال ما ليس منها فيها ... وربما كان أصلها مقطعات ألفت وأدخل بعضها في بعض... ويرجح ما ذهبنا إليه ما نراه من اختلاف كبير في نسبة غير قليل من أبياتها، فقد بلغ الاختلاف فيها ما لم يبلغه في أية قصيدة أخرى من قصائد هذا الديوان، فإن عدد من نسب إليهم أبيات منها تسعة عشر شاعرًا!!". أسوأ ما ينتج عن نسبة القصائد أو الأبيات لغير مبدعيها ومن دون حرصٍ على تحري الدقة في نسبتها هو أن هذه الممارسة توقع الظلم على مُبدع الأبيات بحرمانه من فرصته في الحصول على شيء من الضوء والوصول إلى المتلقين، وهي فرصة ثمينة قد تتهيأ للشاعر بكتابة بيت واحد يُلامس مشاعر الناس وقد لا يستطيع تكرارها مرّة أخرى. أخيرًا يقول إبراهيم الحبيرتي: لا تلتفت دامك على البعد مجبور إنسى شعورك في وإنسى شعوري وإنساني وخلّك مع الناس مسرور أنا سرورك من دواعي سروري
مشاركة :