في لقاء تلفزيوني أُجري مع الشاعر سعد بن جدلان ذكر أنه ليس ضد مسألة "الشحاذة" بالشعر، وقال بكل صراحة: "أنا شحاذ شعري"، وأضاف أيضًا أنه لا يمدح لمجرد التغني "بسواد عيون" الممدوحين وإنما طلبًا للمقابل المادي. وفي لقاء آخر مع الشاعر سعود الحافي استمعنا إليه وهو يُعيد نفس الكلام بصيغة أخرى واصفًا نفسه والشعراء ب "المُسترزقة"، ثم تضطرب إجابته بين الاعتراف بكون الشاعر شحاذاً تارةً، ونفي الشحاذة عنه تارة أخرى، لأن "الشحاذ" -بحسب ما يراه- هو فقط من يستجدي الناس أمام أبوب المساجد..! عدم الوعي بأبرز الحدود الفاصلة بين ممارسة الشعر/المدح وممارسة التسول لدى بعض الشعراء -كما في النموذجين السابقين- يجعلنا نعود مرّة أخرى لتلمُس تلك الحدود في ضوء آراء ابن رشيق القيرواني في قضية التكسب بالشعر، فبعد أن أكَّد على أن الشعراء السابقين –قبل النابغة الذبياني- كانوا يعدون "الأخذ ممن دون الملوك عارًا، فضلاً عن العامة وأطراف الناس" -وهي مسألة يصعب التأكد من صحتها- عاد للتخفيف من صرامة هذا الحكم بتجويز قبول الشعراء لمال الملوك قياسًا على تجويز هذا الأمر "للمتورعين وأصحاب الفتيا"، وذكر أن مكانة الشعراء تقهقرت عن مكانة الخطباء بعد أن "فشت فيهم الضراعة" و"اطمأنت بهم دارُ الذِّلة"، ورأى أن الشاعر لا يجوز له السُؤال بالشعر والتعرض لما في يدي الناس "إلا فيما لا يُزري بقدرٍ ولا مُروءةٍ، كالفلتةِ النادرة، والمهمة العظيمة"، أو كما ذكر في موضع آخر أن التكسب بالشعر أمر غير مقبول "ما لم يكن به [الشاعر] اضطرارٌ يُحِل الميتة. فأما من وجد البُلغة والكفاف فلا وجه لسؤاله بالشعر". هنا يوضح ابن رشيق حدًا آخر نستطيع بواسطته معرفة وتمييز الشاعر من "الشحاذ"، فإذا كان نجم الدين الطوفي قد ركز على مسألة التذلل والخنوع في لغة القصيدة كحد للتمييز بين الشاعر والشحاذ فإن ابن رشيق يضيف هنا حدًا آخر وهو اتخاذ الشاعر قصيدته كوسيلة للتكسب من غير اضطرار، فإذا لم يكن مضطرًا للسُؤال بشعره كاضطرار الجائع لأكل الميتة المحرمة فلا يجوز له ذلك وإلا كان إلى الشحاذ أقرب منه إلى الشاعر. إذن مقام الممدوح واستحقاقه للمدح، ولغة القصيدة وما تتضمنه من تذلل واستجداء، وكذلك حال الشاعر من حيث الاضطرار للسُؤال بشعره من عدمه، ثلاثة أمور/حدود واضحة تُسهل علينا تمييز الشاعر من الشحاذ، ويُمكِّن الوعي بها أي شخص من التأكد هل هو في قائمة الشعراء أو في قائمة الشحاذين..! أخيرًا يقول خالد الجاسر: صاحبي والصدر جمره من غضا من يحبّك من جروحك ما سلم لا تفسّر كثرة سكوتي رضا السكوت أحيان نوع من الألم
مشاركة :