الهجرة النبوية... دروس وعبر (3-4)

  • 9/14/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

حين صدع الرسول (صلى الله عليه وسلم) بدعوته وعمل على نشر رسالته وقف المشركون في طريق دعوته مستخدمين كل أساليب البطش والتنكيل والتعذيب ليمنعوه من أدائها، حتى وصل بهم الأمر إلى العمل على قتله والخلاص منه: ‭{‬وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أو يَقْتُلُوكَ أو يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ‭}‬ [الأنفال:30]. ولقد واجه الرسول (صلى الله عليه وسلم) الشدائد بعزيمة الرجال وصبر الأقوياء ويقين المتوكلين وإيمان الموحدين: (والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه). إن على الأمة أن توقن بأن من كان في معية الخالق لن يضره أذى، وإن حقيقة التوكل على الله هي الحصن الحصين. - الأخذ بالأسباب: الإسلام دين لا يعرف التواكل، بل يحاربه وينبذه، ولا يعرف التواني والكسل والخمول، وإنما هو دين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله، قال تعالى: ‭{‬مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أو أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‭}‬ [النحل:97]. وفي الحديث عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ (رضي الله عنه) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم): (لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا). تغدو: تذهب أول النهار، وتروح: ترجع آخر النهار. (رواه الترمذي). لهذا رأينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يضع خطة الهجرة بمنتهى الدقة والحكمة مستخدمًا الفكر والعقل, فقبل أن يهاجر إلى المدينة تعاهد مع أهلها على نصرته وحماية دعوته، فكانت بيعتا العقبة الأولى والثانية. إن الموقف يتطلب من المسلمين تفعيل هذا المبدأ الإسلامي الهام وهو الأخذ بالأسباب وتضافر الجهود في سبيل العمل على نهضة الأمة الإسلامية ورفعة شأنها. - معية الله عز وجل: لما أذن الله لرسوله بالهجرة، خرج بصحبة أبي بكر الصديق فأقاما في غار ثور ثلاث ليال، وقريش تطلب النبي وصاحبه، وتجعل لمن يأتي بهما مائة من الإبل، وتبحث عنهما في كل مكان، حتى كثر الخطر، لما بلغ المشركون باب الغار، قال أبو بكر (رضي الله عنه) للرسول (صلى الله عليه وسلم ): (يَا رسولَ الله، لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيهِ لأَبْصَرَنَا. فَقَالَ (صلى الله عليه وسلم) قولة المؤمن الواثق من معية الله له: «يا أبا بكر، (مَا ظَنُّكَ باثنَيْنِ الله ثَالِثُهُمَا)، وصدق الله تعالى حيث قال: ‭{‬إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ‭}‬ [التوبة:40]. وكذلك الأمر لما تبعهما سراقة بن مالك حتى لحق بهما، وهو على فرس له، فالتفت أبو بكر، فقال: يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): (لا تحزن إن الله معنا). فكان كذلك، إذ صد الله سراقة، وعاد أدراجه بعد أن أعطى الأمان لرسول الله، وعرض عليه الزاد والمتاع، بل وعاد يصد ويرد كل من يلقاه في طريقه يطلب محمدا وصاحبه.

مشاركة :