يقول علماء السياسة إن الدول تسعى للإتيان بأكبر قدر ممكن من القوة على حساب الدول الأخرى، مع أنني لا أختلف مع هذا الطرح، لكنني أدعو إلى إعادة النظر في أسس التعاون والشقاق؛ لنبني النظام العالمي الجديد. فلا يمكن للقوة وحدها أن تكون السبب في دخول حروب يضحي فيها المواطنون بحياتهم، ففي جميع الأحيان تلبس الدول حروبها برداء من الشرعية، مثل نشر الحرية، أو الدين، أو الحضارة، وما إلى ذلك. وأرى أن البحث في تلك الأسباب المقدّمة للحروب قد يعين على تلافيها أو على فهمها على الأقل، فالقوة والبحث عنها (إذا افترضنا أنه الباعث الحقيقي للحرب) يضع الجميع في حرب مع الجميع، وهذه مقولة Hobbs في كتابه Leviathan. (War of All Against All) ولكن هذا لا يحدث إذ تتعاون الدول في كثير من الأحيان. وعلى الرغم من الطبيعة البشرية العدوانية، إلاّ أن الإتيان بالمصالح على المدى البعيد يحتاج إلى التعاون بين الدول. لكن السؤال هو: مَن يبدأ بالتعاون ويغامر بمصالحه؟. إذ إنه إذا بدأت إحدى الدول بالتعاون، واستثمرت فيه، ولم يصاحب استثمارها هذا استثمار مقابل من الأطراف الأخرى، فإن المتعاون سيدرك أن في التعاون مضاعًا ولن يعيده. ولكن التعاون بين مختلف الدول أمر حاصل بالرغم من هذه المعضلة. حل هذه المعضلة -في وجهة نظري- يأتي من طبيعة النفس البشرية، فلا يمنع الطمع -كما أرى- إلاّ الخوف، فان خشي الناس بعضهم تعاونوا، وإن زادت خشيتهم تحاربوا. فالطريق الأمثل هو درء الخوف بخلق نظام عالمي جديد، يؤازر المتعاونين، ويجمع الجمع على الطامعين. ما بُنيت الدول -برأي بعض من علماء السياسة- إلاّ على هذا، فمهابة الإنسان لأخيه الإنسان أجبرته أن يضحي بحريته الطبيعية لأجل أن تقوم دولة قانون يلجم فيها الباغي.. ولكن كيف تقوم الحكومة العالمية؟ أرى أن البحث في أسباب الحروب عبر التاريخ قد يعين على فهمها وطبيعة الطمع، ويساعد على درئها ويؤازر التعاون بين الأمم.. فافتخار كل أمة بجيشها ومبادئها، وأسباب شرعيتها وحروبها معادلة للخراب، فلنستبدل القومية بالعالمية ولنتعاون.
مشاركة :