الهجرة النبوية نصر وتمكين (1)

  • 9/21/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

اشتُهر الرسول, صلى الله عليه وسلم, بين قومه في مكة قبل البعثة بالصادق الأمين، فكانوا يرضون حكمه فيما عجزوا عن الحكم فيه، حينما اختلفوا في وضع الحجر الأسود، عندما جددوا بناء الكعبة قبل البعثة، وكاد القوم يقتتلون، فلما رأوا رسول الله, صلى الله عليه وسلم, قالوا: هذا الأمين رضينا حكمه، ويُصدقون خبره وقوله، ويصغون إلى حديثه، ويأمنونه على ما خافوا عليه من نفائس أموالهم، وكان عندهم عظيما مُهابا، فهو الصادق الأمين، فلما نزل عليه الوحي، واصطفاه ربه للرسالة الخاتمة، وأخبر قومه بأنه نذير لهم ورسول إليهم من رب العالمين، انقلبوا على أعقابهم ووقفوا منه موقف العداء من أول يوم، يجهر فيه بالدعوة، ليبلغهم رسالة ربه إليهم، كأنهم لم يعرفوه من قبل، وأنكروا عليه صدقه وأمانته، حسدا وحقدا، حيث رد عليه أبو لهب. وهو أحد عمومته. قائلا: تبا لك ألهذا جمعتنا. أي: هلاكا لك. وهو دعاء على الرسول. صلى الله عليه وسلم. وتكذيب وإهانة له، وقد رد الله تعالى عن رسوله هذه الإهانة وهذا التهكم على أبي لهب وسجله قرآنا يُتلى إلى يوم القيامة. فقال تعالى: تبت يدا أبي لهب وتب. ما أغنى عنه ماله وما كسب. سيصلى نارا ذات لهب. وامرأته حمالة الحطب. في جيدها حبل من مسد. سورة المسد. فكانت ردا عليه وعلى زوجته أم جميل التي كانت تؤذي رسول الله بلسانها وتسبه، وتصفه بالكذب والجنون، مع أنهم يعلمون تمام العلم أنه صادق أمين، وكان صلى الله عليه وسلم. يُحزنه ما يقوله القوم عنه بأنه كذاب وساحر وشاعر وكاهن ومجنون.. إلخ. فأنزل الله عليه قوله تعالى: قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون. الأنعام:33. وكان عنادهم للرسول، وعداوتهم له، حسدا له، وحقدا عليه، كيف يأتيه الوحي وهو اليتيم الفقير في نظرهم، ولماذا لم ينزل الوحي على أشرافهم، فرد الله عليهم بقوله تعالى: وقالوا لولا نُزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم. أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سُخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون. الزخرف: 31-32. ومن هنا بدأ العداء والاضطهاد للرسول. صلى الله عليه وسلم. ولأصحابه الذين آمنوا به وصدقوه واتبعوه، فأذاقوهم سوء العذاب النفسي والبدني، فما تركوا سبيلا لإيذاء الرسول. صلى الله عليه وسلم. وأصحابه إلا سلكوه. مع أنه صلى الله عليه وسلم. جاءهم بالهدى ودين الحق، جاءهم ليخرجهم من ظلمات الكفر والجهل، إلى نور الإيمان وطريق الرشاد، ولم يطلب منهم أجرا على رسالته، فاستحبوا العمى على الهدى، إنه العمى والغواية والضلال، وحق فيهم قول القائل: أتيت والناس الفوضى..... فلا تر إلا صنما قد مهم في صنم. ولما يئس المشركون من اضطهادهم للرسول وأصحابه، انتقلوا إلى أسلوب الإغراء، فعرضوا عليه المال والملك والسيادة عليهم، وإن كان به مرض جمعوا له الأطباء ليُعالجوه، وإن كان يريد زواجا زوجوه من يريدها، بشرط أن يترك رسالة ربه، فأجابهم قائلا: والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يُظهره الله أو أهلك دونه. فبدأت مرحلة أخرى من الإيذاء والتعذيب، والاضطهاد لكل من آمن بمحمد واتبع رسالته، فعذبوا أصحابه وآذوهم خاصة المستضعفين منهم، كبلال بن رباح. رضي الله عنه. فكان أُمية بن خلف. وهو من صناديد الكفر في مكة، يجرده من ثيابه في وهج الظهيرة، ويضع عليه الصخور الملتهبة، ليرجع عن دينه، فيقول أحد أحد، وياسر وزوجته يُقتلا تحت وطأة التعذيب الشديد، فيرى ابنهما عمار ذلك فينطق بكلمة الكفر مُكرها، وقلبه مطمئن بالإيمان. فينزل فيه وفي غيره قوله تعالى: إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان. النحل: 106. وهذا خباب بن الأرت. كانت تملكه امرأة وكان يعمل حدادا، فكانت تكويه في رأسه بالحديد الملتهب بالنار ليرجع عن دينه فيأبى، إنهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه. وغيرهم كثير من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، الذين ضحوا بأموالهم وأنفسهم وأهليهم لنصر الدين، واتباع خاتم المرسلين، ولم ينجو الرسول من ذلك الإيذاء حتى ناله نصيب منه، فكان جاره المشرك يضع الأشواك والقاذورات أمام باب بيته كل يوم، وجاءوا يوما بأمعاء بعير مذبوح ووضعوه على رأسه وهو ساجد، والقوم يضحكون ويتصايحون فرحا بما يقع، ويوما آخر يضعون على رأسه التراب، ولا يُراعون فيه حُرمة النسب والرحم والجوار، والرسول مع ذلك صابر محتسب، يدعو لهم بالهداية قائلا: اللهم اهدي قومي فإنهم لا يعلمون. وكان يرجو هدايتهم إلى الحق، وأن يُخرج الله من بين أصلابهم من يعبد الله ويوحده. ولما اشتد إيذاء المشركين في مكة للمؤمنين، وحاصروهم وقاطعوهم، حتى أكلوا أوراق الأشجار، وجلود الميتة، من شدة الحصار وقسوته، أذن الرسول. صلى الله عليه وسلم. لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة، لأن ملكها النجاشي، اُشتهر بالعدل، فهاجر جماعة منهم إلى الحبشة، فرارا بدينهم، وفرارا من بطش القوم بهم، ولما علم النجاشي بهم أرسل إليهم، فسأل عن النبي. صلى الله عليه وسلم. وعن نسبه، وعن أخلاقه وصفاته، وعن أحوالهم حينما بُعث فيهم، وبما يأمرهم، فلما سمع الإجابة عن تلك الأسئلة، تبين له أنه رسول حقا، ونبي صدقا فأسلم النجاشي وآمن بمحمد. صلى الله عليه وسلم. ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم.

مشاركة :