الهجرة النبوية نصر وتمكين (3)

  • 10/5/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

أخبر الرسول. صلى الله عليه وسلم. أصحابه أنه رأى دار هجرته يثرب وهي المدينة المنورة، ورؤيا الأنبياء حق لأنها وحي من الله إليهم، فهي رؤيا حق وصدق، بادر أصحابه بالهجرة سرا إلى المدينة، حتى لا يمنعهم مشركو مكة، إلا عمر بن الخطاب. رضي الله عنه. فكان إسلامه نصرا، وهجرته فتحا، وخلافته رحمة. لما أراد الهجرة طاف بالبيت سبعا، وكان المشركون في مكة يجلسون حول البيت الحرام، فناداهم قائلا: من أراد أن ييتم ولده أو تُرمل زوجته فليلقني خلف هذا الوادي فإني مهاجر، فلم يجرؤ أن يرد عليه واحد منهم، فهاجر في وضح النهار، بعدما أعلن هجرته، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظر الإذن من ربه، وعقد بيعتي العقبة الأولى والثانية مع قبيلتي الأوس والخزرج من أهل المدينة، ودخل منهم جماعة في دين الإسلام، فلما هاجر أصحاب رسول الله إلى المدينة استقبلهم أهلها مرحبين، فأكرموا وفادتهم، فعوضهم الله خيرا عما تركوه من أموالهم وأهليهم، وضحى المهاجرون بأموالهم وما يملكونه في مكة، وضحوا كذلك بأهليهم، في سبيل نصرة الدين، فرضي الله عن الأنصار والمهاجرين. فماذا قدمنا نحن لنصرة هذا الدين؟ فهل قمنا بواجب الدعوة إليه، بالأخلاق الحسنة، كل حسب موقعه وقدرته، وأظهرنا محاسن ديننا، ومحاسنه التي لا تُعد، فكان مصعب بن عمير من أوائل المهاجرين إلى المدينة، وكان من أثرياء مكة. فكان يلبس الحرير، ويُنعم في حياته، فترك الثراء والجاه مهاجرا إلى الله ورسوله، ليُبلغ ما أنزله الله على رسوله من القرآن، فكان أول سفير للإسلام، إذ علًم أهل المدينة القرآن الكريم، وكان حسن الصوت، إذا تلا القرآن تأثر سامعوه، فدخل جماعة من أهل المدينة في الإسلام. فرضي الله عنه وأرضاه، نذكر ذلك في مناسبة الهجرة، ليسأل كل واحد منا نفسه ماذا قدم لدينه؟ وهذا صهيب بن سنان الرومي. جاء وافدا إلى مكة، فكثر فيها ماله، ولما علم بدعوة النبي. صلى الله عليه وسلم. آمن به واتبعه، لكنه تأخر في الخروج إلى المدينة مهاجرا، فلما قصد الهجرة، وأعد عدته، جاءه أهل مكة ليمنعوه من الخروج وقالوا له: جئتنا فقيرا صعلوكا لا مال لك، والآن وبعد أن كثر مالك تخرج به إلى محمد. فقال لهم: تعلمون أني أرماكم رجلا، وأنكم لن تخلصوا إليً ما دام في كنانتي سهم، وما دام سيفي في يدي، ألا أدلكم على مالي لتأخذوه كله وتخلوا بيني وبين ما أريده؟ قالوا: نعم. فدلهم على ماله وأخذوه كله وتركوه وشأنه، فنزل الوحي على رسول الله. صلى الله عليه وسلم. يُخبره بأمر صهيب الرومي، وأنزل الله تعالى قرآنا يُتلى يُذكر على مر الزمان إلى قيام الساعة بما فعله صهيب. رضي الله عنه. ليكون مثالا وقدوة في التضحية بالمال. يقول تعالى: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد). سورة البقرة:207، فلما وصل صهيب الرومي المدينة المنورة، ولقي الرسول. صلى الله عليه وسلم. بشره قائلا: ربح البيع أبا يحيى، ربح البيع أبا يحيى. وهذا أبو بكر الصديق. رضي الله عنه. يُضحي بنفسه وماله لنصرة دين الله، فيُنفق كل ماله في الهجرة، ولما سأله الرسول. ماذا أبقيت لأهلك؟ فيقول: أبقيت لهم الله ورسوله. إن ثقتهم بالله أكبر من ثقتهم بما في أيديهم، وهذا هو صريح الإيمان، وفي المقابل كم من مسلم باع دينه وضيعه من أجل المال! فضيع ما فرضه الله عليه، وارتكب ما حرمه الله من أجل دراهم معدودة، فهل نحن منتهون؟ وهذا أبو سلمة. رضي الله عنه. ضحى بأهله ليلحق برسول الله مهاجرا، لما أراد أبو سلمة الهجرة إلى المدينة، وكان ممن هاجروا إلى الحبشة من قبل، علم أهل زوجته بخروجه وزوجته وولده مهاجرا إلى المدينة ليلحق برسول الله. فمنعوه من الخروج، وقالوا: لن تخرج بزوجتك وابنك، لتوردهم موارد الهلاك، فلما رأى إصرارهم، ترك لهم زوجته وولده وذهب مهاجرا، وقلبه يعتصر حُزنا وألما وغما، لكنه قدم حب الله ورسوله على حبه لزوجته وولده، كما أخبر الرسول. صلى الله عليه وسلم. أخرج البخاري بسنده عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. وأخرج البخاري بسنده عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ، أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ. ومن الصحابة من ضحى بنفسه لنصرة هذا الدين، فهذا علي بن أبي طالب. رضي الله عنه. ينام ليلة الهجرة في فراش الرسول. صلى الله عليه وسلم. وهو يعلم أن القوم بالخارج يطلبون النائم ليقتلوه، إنها قوة الإيمان الذي يهون في سبيله كل شيء، إنهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فنصرهم الله ومكنهم في أرضه، واستخلفهم فيها ليعمروها بالخير والإيمان، ويُصلحوها كما أمرهم الله تعالى ورسوله، وهذا وعد الله لا يخلف الله الميعاد. يقول تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يعبدونني لا يُشركون بي شيئا). النور: 65.

مشاركة :