بلغةً تجارية، يتوقعها المرء من انسان غادر الصحراء لتوه، لكي يعمل في مجال المقاولات، يعلن رئيس الولايات الامريكية المتحدة، دونالد ترامب، قراره بسحب القوات الأمريكية من شمال سورية. يمكن للرئيس أن يتخذ مثل هذا القرار استنادا الى رؤية استراتيجية لدور الولايات المتحدة في هذه المنطقة المضطربة، غير ان ما جاء في تبرير القرار يشير الى سياسة ترمي الى الانكفاء للداخل، و تسيء لتحالفات امريكا في المنطقة. المنطق ذاته الذي استخدمه ترامب في تبرير الانسحاب، و هو انه لا يمكن للولايات المتحدة ان تواصل دورها ازاء حروب عبثية، لمصلحة جهات لا تحب امريكا، كل شيء بثمن، و الثمن لا يتوقف على النفوذ و انما يتطلع الى المال العربي. قبل ذلك و اثناء ازمة الخليج، و التجارة الدولية، عبر مضيق هرمز كان قد قال بأن الولايات المتحدة لا يمكنها مواصلة تحمل اعباء حماية التجارة لدول غنية مثل الصين و اليابان و السعودية، و سعى لتشكيل تحالف دولي لتأمين حماية التجارة الدولية. ربما كان من دوافع هذا القرار، الذي احدث ضجة في الولايات المتحدة من الجمهوريين و الديمقراطيين، و من قبل اسرائيل، ان ترامب يذهب نحو الانكفاء لتحسين الاوضاع الاقتصادية و الخدمية للمواطن الامريكي، يدرك ترامب ان المواطن الامريكي، هو الذي ينتخب الرئيس و هو الذي يمكن ان يمنحه فرصة ثانية. بينما تستنزف الحروب الخارجية المزيد من اموال دافعي الضرائب، الذين لا يرهنون اصواتهم لما تحققه الادارة على الصعيد الخارجي، ما لم تعد عليه بفوائد ملموسة في مختلف مجالات الحياة. بسهولة و رعونة يمكن لرئيس مثل ترامب ان يضحي بحلفاء امريكا التاريخيين و الطارئين ما عدا اسرائيل، بما انها الثابت الوحيد، الذي يشكل جزءا اصيلا من هوية الولايات المتحدة على حد قوله. و في هذه المنطقة المضطربة، و التي تقوم فيها السياسات، على ارض رخوة، يمكن ان تفرق فيها قوى ضعيفة، يترك ترامب الساحة في حالة توهان، المرشح للاستفادة منها هو روسيا و الصين، و ايران بطبيعة الحال. اكثر من تجربة مع ادارة الرئيس دونالد ترامب، تدق كل الوقت اجراس الانذار لدي كثير من عواصم المنطقة، تدعوها الى اعادة النظر في سياساتها و استراتيجياتها، و مراهناتها، و البحث عن تحالفات اخرى، لحماية انظمتها و امنها و استقرارها. تركيا اخر النماذج و قد لاحظنا ان علاقاتها التاريخية بالولايات المتحدة، و وجودها داخل الحلف الاطلسي، و استضافتها لقواعد امريكية فضلا عن قواعد الحلف لا تشفع لها عن رئيس متهور، لا يعرف الا لغة الصفعات التجارية، و ابتزاز الاموال. عشية اعلان تركيا عن بدء عمليتها التركية شمال شرق سوريا لملاحقة قوات سوريا الديموقراطية، يحذرها ترامب من انه سيدمر الاقتصاد التركي، اذا باشرت تلك العملية و بنتيجة ذلك و فورا يؤدي ذلك الى مزيد من الانهيار في سعر صرف الليرة التركية. في اسرائيل تعالت الاصوات المرتجفة من قرار الحليف، الذي برهن على انه الافضل لها تاريخيا، فلقد عبر عديد الجنرالات و المسؤولين، عن مخاوف من ان يؤدي انسحاب القوات الامريكية في سوريا، الى ان تقف الدولة العبرية في مواجهة ايران بكل امتداداتها في ضل تزايد الاحتمالات بقرب انفجار الاوضاع في المنطقة. غير ان هذه المخاوف تبددها، استعدادات دائمة من قبل الولايات المتحدة لضمان امن اسرائيل، و التدخل بفعالية في مواجهة اي خطر يتهددها، خصوصا، و ان اللوبي اليهودي الصهيوني له دور فاعل في الداخل الامريكي، حين يقع استحقاق الانتخابات، اذاً هذه المخاوف الاسرائيلية ليست اكثر من فزاعة، لدفع المفاوضات الجارية على خلفية تشكيل حكومة جديدة ينبغي ان تكون حكومة وحدة وطنية. طالما ان البلاد تواجه خطرا استراتيجية. لا ينبغي ان تنطلي هذه اللعبة، على العرب ذلك ان اسرائيل حاولت ان تقدم مبادرة عبر وزير خارجيتها، لتطوير العلاقة و اعلانها مع الدول العربية، مقابل شراكة، تسمح لها اي لإسرائيل، ان تقدم نفسها باعتبار البديل، الذي يمكن ان يقف في وجه ايران، و يؤمن لدول المنطقة خصوصا دول الخليج، الامن و الحماية. التي تفتقدها بسبب ضعف المراهنة على الولايات المتحدة.
مشاركة :