طلال عوكل يكتب: حال العرب بين ضفتي الميت

  • 4/2/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

لا يسترعي اهتمام الملوك والرؤساء والأمراء العرب في قمة اليوم الواحد، التجاهل الواضح لهذه القمة من قبل الشعوب العربية، بما في ذلك الشعب الفلسطيني. لا مناقشات الزعماء الجماعية ولا خطبهم، ولا حتى وسائل الإعلام التي رافقت القمة لاحظت الفجوة الشاسعة بين القاعات الفارهة، وبين مدن الصفيح وسكانها الذين يدفعون الثمن في كل لحظة، إن كان في زمن الصراعات الدامية، أو في زمن الاستقرار الكاذب. يمكن لمن يسكنون في الأبراج العاجية العالية أن يتحدثوا كثيرا، وبلغات مختلفة عن خطر الإرهاب الذي يضرب المنطقة ويتمدد فوق الأرض، وفي المياه والهواء. ويمكنهم أن يوجهوا الاتهامات، بالمسؤولية عن هذا الإرهاب الأسود، إلى جهات كثيرة غامضة لكنهم سيظلوا مسكونين بالخوف والتهديد طالما أنهم يتجاهلون عن وعي أو عن جهل من أن مدن الصفيح تلك هي التي تشكل البيئة الدافئة المنتجة للإرهاب والإرهابيين. ليس هذا وحسب، بل إن هؤلاء لن ينعموا بالراحة أو الاطمئنان طالما أنهم يتجاهلون أن الولايات المتحدة وإسرائيل، هما المحرك الأساسي الذي يحرك ويوجه، ويؤمن خطوط الدعم للجماعات الإرهابية. كان على الزعماء العرب أن يدركوا منذ البداية أن تسونامي الذي يجتاح المنطقة منذ أكثر من ست سنوات هو بفعل فاعل غير مجهول، يعلن عن نفسه ومخططاته التقسيمية في المنطقة، حين يتحدث بوقاحة عن شرق أوسط جديد وفوضى خلاقة. لا يدور الحديث عن نظرية المؤامرة، أو عن عوامل الانفجار الاجتماعي الذاتي، وإنما عن تفاعل العاملين الخارجي والداخلي لتفجير أوضاع المنطقة بهدف إخضاعها بالكامل. وفي غياب رؤية عربية جماعية واستراتيجية موحدة، لتحديد أولويات الخطر، وآليات مجابهة التحديات الماثلة، فإن قمة عمان ستبدو على أنها نسخة مكررة عن قمم سابقة مع قليل من التميز. لم يحدد الزعماء العرب ماهية الخطر الدائم والعدو الأساسي، الذي تواجهه الشعوب العربية، والنظام العربي الرسمي، ولذلك فإنهم يجدون أنفسهم متبعثرين في مواجهة أعداء كثر، ومخاطر متعددة. من هو عدو العرب الأساسي الأول، هل هو الإرهاب أم هو إسرائيل أم إيران، أم الولايات المتحدة، أو روسيا، أو تركيا؟. كثيرة تلك القوى التي تملك مشاريع وتعطي لنفسها الحق في أن تسعى بقوة وراء أطماعها، للفوز بحصة من الكعكة العربية، أما العرب فهم الغائب الوحيد الذي لا يملك رؤية جماعية و دوراً أساسيا في معالجة حاضر ومستقبل الشعوب العربية، وهموهم المتزايدة. الجيوش المدججة بكل انواع الأسلحة لا تكفي لتحقيق الانتصارات، ودرء المخاطر، وما لم تكن مدججة بطاقات الشعوب ومفكريها ونخبها، ومثقفيها، وأحزابها الوطنية، فإنها تخوض معارك بطولية، لكن النتيجة استنزاف طاقات الدول والشعوب، وتعريض وحدتها لخطر الانقسامات من كل نوع. ثمة ملاحظة أخرى مهمة في إطار تقييم سريع لنتائج القمة، وهي تتعلق بالموقف العربي الجماعي من الشأن الفلسطيني. الموقف الذي صدر عن القمة بهذا الخصوص، يرضى السياسة الفلسطينية الرسمية، وهو لم يخرج عن إطار الموقف العربي التقليدي، سواء بالنسبة لعملية السلام ورؤية الدولتين، أو بالنسبة للقدس والاستيطان، والدعم المادي ومبادرة السلام العربية. من حيث المبدأ لم يكن ممكن للعرب أن يهبطوا عن هذا السقف ، ولكن هذا السقف الذي يشكل الحد الأدنى، لا يكفي للاستجابة إلى مستوى التحديات التي ارتفعت بها السياسة الإسرائيلية منذ اقرار مبادرة السلام العربية في قمة بيروت عام 2002. الموقف العربي يبدو على أنه دفاعيا، ووقائيا في ضوء المتوقع من السياسة الأمريكية الأشد انحيازا لإسرائيل. بعد يوم واحد من انتهاء أعمال قمة بيروت، وإعلان مبادرة السلام العربية، تعمد شارون أن يرد على تلك المبادرة بسلوك عدواني عملي، تمثل باجتياح الضفة الغربية وإعادة إحتلالها فيما عرف ” بحملة السور الواقي ” . رئيس الحكومة الإسرائيلية المتطرفة نتنياهو يكرر السلوك ذاته بما يشير إلى منهج إسرائيلي ثابت في الرد على السياسة العربية والفلسطينية. في اليوم التالي لقمة عمان أي يوم الخميس الثلاثين من آذار المنصرم، يجتمع المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي، ويتخذ قرارا بإقامة مستوطنة جديدة لصالح مستوطني (عمونة)، الذين تم إجلائهم بقرار من المحكمة الإسرائيلية العليا، بذريعة أنها بنيت بطريقة غير قانونية. نتنياهو كان قد وعد مستوطني عمونة بإقامة مستوطنة جديدة لهم، لكن توقيت اتخاذ القرار هو ما يلفت النظر. ولكن يلفت النظر أيضا أن الإدارة الأمريكية التي عبرت عن قلقها إزاء ذلك القرار، تعطي نتنياهو العذر، إذ أنه كان قد أبلغ الإدارة مسبقا على أنه سينفذ وعدا سابقا كان قد قطعه أمام مستوطني عمونة، وأمام ممثلي المستوطنين في تحالفه الحكومي. ولتأكيد الرسالة التي تصدر عن إسرائيل ردا على قرارات القمة العربية بخصوص ملف الصراع الفلسطيني والعربي الإسرائيلي، تتبجح وسائل الإعلام الإسرائيلية من أن المستوطنة الجديدة ستكون الأولى التي تجري إقامتها منذ عام 1999 وكأن ما بنته إسرائيل خلال هذه الفترة ليس فيها جديد وبالتالي فإنها خارج حسابات التحرك السياسي الأمريكي الذي يستهدف استئناف المفاوضات. هذا هو حال عربنا وهذا هو حال العدو الأساسي للأمة العربية، فهل ارتقت القمة إلى مستوى بعض أهم التحديات وليس كلها التي تهز أمن واستقرار وتقدم الشعوب العربية؟ كبيرة المسافة بين ضفتي البحر الميت، تساوي المسافة بين القول والفعل، وبين سياسة الفعل وسياسة رد الفعل.شارك هذا الموضوع:اضغط للمشاركة على تويتر (فتح في نافذة جديدة)انقر للمشاركة على فيسبوك (فتح في نافذة جديدة)اضغط للمشاركة على Google+ (فتح في نافذة جديدة)

مشاركة :