محاولة الاغتيال الفاشلة، التي وقعت يوم الجمعة المنصرمة، السابع والعشرين من أكتوبر الجاري، تنطوي على أبعاد خطيرة. العملية استهدفت من يمكن اعتباره وزير الداخلية في حركة حماس الأسير المحرر اللواء توفيق أبو نعيم. وهو بالإضافة إلى ذلك، أحد أبرز المتحمسين لإنجاح المصالحة الفلسطينية، والمعنيين بتقيد الحركة لعملية التنفيذ من جانب حماس، فضلا عن أنه المسؤول عن تنفيذ التفاهمات التي التزمت بها الحركة مع مصر. هذا التعدد في المسؤوليات الهامة، يحيل مسألة البحث عن الفاعل وأهدافه إلى عدة احتمالات، وكلها تعطي مصداقية لمن يسارع في توجيه أصابع الاتهام إلى إسرائيل. العملية بحد ذاتها تشير إلى ضعف الإجراءات الأمنية المتبعة في حماية المسؤولين، إذ لا يبرر هذا الأمر كون اللواء أبو نعيم كان يؤدي فريضة الصلاة في أحد مساجد النصيرات وسط قطاع غزة. ليس هذا فقط خاصة وأن حماس تتحسب إزاء قيام أطراف عديدة باستهداف مسؤولين فيها، بل إن الجريمة وطريقة تنفيذها تشير أيضا إلى وجود اختراقات أمنية خطيرة في جسم الحركة. لقد سبق وأن نجحت الأيادي المجرمة، باغتيال مازن فقهاء، وفي وقت قريب جدا من محاولة الاغتيال الفاشلة قامت مجموعة من داعش بخطف ثلاث عمال من نفق تجاري، قبل أن تعيدهم أحياء، وكان بإمكانها أن ترسلهم إلى الباري. رسالة داعش كانت واضحة من أنها تملك القدرة على القيام بعمليات أشد خطورة، وأن تتجاوز كل الإجراءات الأمنية التي اتخذتها حماس على الحدود الجنوبية مع مصر. في الواقع فإن هذه العملية الفاشلة تدق أجراس الخطر لدى كل الأوساط القيادية في حركة حماس التي عليها أن تتحسب لوقوع المزيد من المحاولات، التي تستهدف رموزا قيادية سواء كانت أمنية أو غير ذلك. على أن ثمة احتمالات أو فرضيات تقوم عليها عملية التحقيق للكشف عن الفاعل وأهدافه. أول هذه الفرضيات ودائما إسرائيل، بما أنها صاحبة المصلحة الحقيقية في إفشال المصالحة انطلاقا من التزامن في التوقيت. هناك منطق قوي وراء هذا الاحتمال، ذلك أن إسرائيل رغم الغموض النسبي في موقفها من المصالحة، إلا أنها لن تتوقف عن العمل لإفشالها لسببين، الأول: أنها بذلك تعرقل التحرك السياسي المرتقب إزاء ما يسمى بصفقة القرن، والثاني: لأنها ترى في بقاء الانقسام والصراع ذخرا استراتيجيا يخدم مصالحها القريبة والبعيدة. ولا ننسى أن إسرائيل بادرت بعد أسابيع قليلة بشن حرب على قطاع غزة عام 2014، استمرت لواحد وخمسين يوما، وكان أحد أهدافها إفشال اتفاق الشاطئ للمصالحة. الظروف الراهنة لا تتيح لإسرائيل أن تكرر ما فعلته عام 2014، لأسباب تتصل بالظروف الدولية والإقليمية والعربية، التي تعطي فرضة أمام تحقيق المصالحة، إذ ستجد نفسها معزولة وبدون غطاء دولي ومبررات توفر لها الدوافع. أما الفرضية الثانية ولا ثالث بعدها فتتصل بالتوتر المتصاعد بين حركة حماس وجماعة داعش. كانت الأزمة بين حماس وداعش قد اندلعت قبل وقت من تفاهمات القاهرة، حيث قامت الأجهزة الأمنية بملاحقة واعتقال العشرات، وربما المئات من المشتبه بانتمائهم لتنظيم الدولة، الأمر الذي دفع داعش لإصدار بيانات علنية لتكفير حماس، وتحذيرها وإطلاق التهديدات ضدها. على أن الشعرة التي قصمت ظهر البعير، جاءت عبر نجاح حماس في تحسين العلاقة مع القاهرة والتوصل إلى تفاهمات، ظهرت نتائجها الأمنية في الميدان ومن شأنها أن تؤثر سلبيا على حركة الأفراد والسلاح بين قطاع غزة وجنوب سيناء حيث مركز نشاط داعش. وقبل محاولة الاغتيال بأيام قليلة وجهت حماس ضربة موجعة لتنظيم الدولة حين قامت باعتقال أبرز نشطائها والذي يعتبر المسؤول الأول لداعش في قطاع غزة وبعد سنوات من اختفائه. على الأثر أعلنت داعش نيتها على الرد والانتقام من المسؤولين عن ذلك، ولهذا كان من الطبيعي أن يكون اللواء أبو نعيم على رأس قائمة المستهدفين. يثير هذا الأمر مخاوف حقيقية ليس لدى حماس فقط بل لدى سكان قطاع غزة، من أن تنظيم الدولة في القطاع قد يقرر توسيع وتصعيد نشاطاته الإجرامية، وزج الوضع في أتون فوضى عارمة، وحالة صراع دموي قد يصعب السيطرة عليه. من المؤكد أن نجاح داعش في نشر الفوضى والصراع في القطاع، سيشكل عقبة كبيرة أمام المصالحة الوطنية وأمام إمكانية تطبيع الوضع في القطاع باتجاه تحسين حياة الناس فيه. لابد إذن من أن تتظافر الجهود الوطنية من أجل استبعاد بل اقتلاع هذا الخطر، مما يستدعي مغادرة منطقة التردد، وإجراءات رد الفعل أو الإجراءات الموضعية المحدودة أو المجتزأة. والحال أنه في كلا الاحتمالين فإن إسرائيل هي المسؤول وهي بالتأكيد المستفيد من وراء محاولة الاغتيال وتوتير الساحة الداخلية، فالهدف واحد بغض النظر عن المسؤول المباشر عن التنفيذ. كما لابد أن تشكل هذه العملية الفاشلة سببا إضافيا لتوسيع وتعزيز وتطوير التعاون الأمني بين السلطات في قطاع غزة وبين مصر، انطلاقا من تداخل وترابط الأمن القومي المصري بالأمن الوطني والقومي الفلسطيني.شارك هذا الموضوع:اضغط للمشاركة على تويتر (فتح في نافذة جديدة)انقر للمشاركة على فيسبوك (فتح في نافذة جديدة)اضغط للمشاركة على Google+ (فتح في نافذة جديدة)
مشاركة :