أجمع محللون على أن البوادر الهشة لتعافي الاقتصاد التركي من الركود ستكون من أكبر أحدث ضحايا توغل جيشها في سوريا، وذلك بعد أن هددت قيادات في الكونغرس الأميركي بفرض عقوبات قد تضر بالليرة وتفاقم حدة انحدار الثقة بمستقبل الاقتصاد التركي. لندن - تبخرت المؤشرات الضئيلة على انحسار أزمات الاقتصاد التركي بعد أن خلق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جبهة عالمية صلبة ضد مغامرته العسكرية الخطرة في سوريا. ودفع ذلك العملة التركية التي عانت من أزمة قبل عام لأسباب منها عقوبات ورسوم جمركية أميركية، إلى أدنى مستوياتها في حوالي أربعة أشهر بعد انسحاب القوات الأميركية من شمال شرق سوريا وشن أنقرة هجمات ضد القوات الكردية هناك. وكانت الليرة قد استقرت نسبيا في الأشهر الأخيرة وتراجعت معدلات التضخم، في مؤشر على أن الاقتصاد التركي الذي يبلغ حجمه 766 مليار دولار، وهو الأكبر في الشرق الأوسط، ابتعد عن أسوأ تراجع له منذ ما يقرب من عشرين عاما. وخفض البنك المركزي أسعار الفائدة منذ يوليو الماضي بنسبة 7.5 بالمئة، من أجل تنشيط الإقراض لإنهاض الاقتصاد من حفرة الركود. لكن توقعات السوق بمزيد من تيسير السياسة النقدية، تراجعت بشكل كبير في ظل قلق المستثمرين من أن تداعيات المغامرة العسكرية التركية التي قد تقود إلى تقويض بوادر التعافي الهشة. ويجمع المحللون على أن المخاطر الوشيكة الناجمة عن انخراط الجيش التركي في العملية لفترة طويلة، تتضمن ارتفاع العجز في الموازنة والمعاملات الجارية، إضافة إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض وتباطؤ السياحة. لكن الخطر الأكبر، وهو التهديد الذي يقول المستثمرون إن الحكومة التركية لا تضعه في الحسبان، هو إصرار جديد لدى كبار الجمهوريين في الولايات المتحدة على معاقبة تركيا لمهاجمتها أكراد سوريا، وهم من حلفاء واشنطن الرئيسيين في حربها ضد تنظيم داعش. وكان السيناتور الجمهوري لينزي غراهام، وهو عادة من المدافعين بقوة عن الرئيس دونالد ترامب، قد انضم، الأربعاء، إلى سيناتور آخر من الحزب الديمقراطي في الكشف عن إطار عمل لعقوبات، مع تصعيد انتقاداته لقرار ترامب سحب القوات الأميركية. ومن المتوقع أن يستهدف اقتراح غراهام أصولا مملوكة للرئيس التركي ومسؤولين كبار آخرين، وفرض قيود على إصدار تأشيرات السفر، وعقوبات على أي أحد نفذ تعاملات عسكرية مع تركيا أو دعم إنتاج الطاقة. أولريش لويختمان: أي عقوبات جديدة ستغير صورة الاقتصاد وتدفعه لركود جديد أولريش لويختمان: أي عقوبات جديدة ستغير صورة الاقتصاد وتدفعه لركود جديد كما أن تركيا قد تواجه أيضا عقوبات أوسع نطاقا بموجب خطة غراهام في ضوء قيامها بشراء منظومة الدفاع الصاروخي الروسية أس-400 هذا العام رغم اعتراضات واشنطن القوية. وقال أولريش لويختمان رئيس أبحاث العملات لدى كومرتس بنك في فرانكفورت إن مزيدا من العقوبات “سوف يغير الصورة الاقتصادية لتركيا تماما وسيكون علينا أن نضع في الحسبان احتمالية ركود جديد في ظل وضع الاقتصاد الهش بعد أزمة 2018”. ولم يتضح ما إذا كان الكونغرس سيدعم عقوبات غراهام أو ما إذا كانت ستحصل على أغلبية تصويت ثلثي الأعضاء اللازمة للتغلب على أي معارضة من ترامب، الذي تجمعه بأردوغان علاقة عمل جيدة وتحدث معه قبل سحب القوات الأميركية. ولم يتضح أيضا ما إذا كان ترامب سيدعم العقوبات بعد أن قال في وقت سابق من هذا الأسبوع، إن الولايات المتحدة “ستمحو” اقتصاد تركيا إذا فعلت أي شيء “خارج الحدود” في سوريا دون أن يحدد ماذا يعني. وأضاف لويختمان “كلما زاد الضغط السياسي، كلما زادت احتمالات ميل ترامب إلى الإقرار بأن التصرف التركي قد يكون خارج الحدود”. وكان ترامب قد فرض عقوبات محدودة على تركيا في العام الماضي، تضمنت زيادة الرسوم الجمركية على بعض الصادرات التركية للضغط على أنقرة لإطلاق سراح القس الأميركي أندرو برانسون، الذي تم اعتقاله هناك على خلفية تهم تتعلق بالإرهاب، والذي تم إطلاق سراحه في وقت لاحق. وتراجعت الليرة، التي فقدت ثلاثين بالمئة من قيمتها العام الماضي، بأكثر من 4 بالمئة منذ بداية الأسبوع في تعاملات متقلبة مع اقترابها من حاجز 5.90 ليرة مقابل الدولار. وقال متعاملون إنه من غير الواضح إلى أي مدى كانت العملة التركية ستنزل أكثر لو لم تكن البنوك الحكومية قد تدخلت لبيع الدولارات وتخفيف الصدمة في وقت سابق من هذا الأسبوع. وفي ضوء اعتماد تركيا على الاستثمارات الأجنبية، تحدد العملة الأسعار بشكل كبير، وهو ما يهدد بالتبعية السياسة النقدية. وقال مستثمرون إن أي تحرك لليرة فوق مستوى ست ليرات للدولار قد يشير لتوقعات بأن العقوبات ستكون مؤثرة على الأرجح. ويتوقع متعاملون في سوق النقد حاليا أن يخفض البنك المركزي أسعار الفائدة إلى 15 بالمئة بحلول نهاية العام من 16.5 في الوقت الحالي، بدلا من 13.5 بالمئة في توقعاتهم السابقة قبل أسبوع. وقال أربعة متعاملين إنه من المتوقع خفض أسعار الفائدة بما يتراوح بين نصف نقط مئوية و0.75 بالمئة في وقت لاحق هذا الشهر.
مشاركة :