تستمر الاحتجاجات الشعبية في لبنان للمطالبة بتحسين الأحوال المعيشية، بينما يعلن الساسة موقفهم على الشاشات بأن الأمر لم يكن سوى إرث متراكم من السياسات الاقتصادية الخاطئة. وبين فريق يؤكد ضرورة تراجع الحكومة واعترافها بالفشل والالتزام بالحريات، وبين موقف حكومي يواجه الشعب بأزماته التي جاءت في حديث رئيس الوزراء سعد الحريري الذي أمهل السياسيين مدة 72 ساعة بدأت، مساء الجمعة، لوضع تصور لحل الأزمة وتحمل المسؤولية، مشيراً إلى أن جهات بالداخل اللبناني هي من حركت المتظاهرين. واعتبر خبراء في حديثهم مع «الاتحاد» أن المظاهرات تهدد سلطات «البارونات» ونفوذ حسن نصر الله الأمين العام لميليشيات «حزب الله» الإرهابية. وقال زياد بارود، وزير الداخلية اللبناني السابق، في اتصال هاتفي لـ«الاتحاد»، إن الـ72 ساعة المهلة التي تركها سعد الحريري لنفسه يعمل من خلالها على رمي الأسباب على الجميع، خاصة أن السلطة التنفيذية لا يتحملها رئيس الوزراء نفسه، وإنما الحكومة بالكامل، حسب الدستور في لبنان، مشيراً إلى أن الشارع اللبناني غاضب بسبب الاقتصاد والاجتماع والمستوى المعيشي وليس السياسة بعينها، كما يحاول البعض الترويج للأحداث على أنها لهذه الأسباب. وأضاف بارود أنه مطلوب اتخاذ تدابير إصلاحية ليس فقط في الكلام وإنما في الأعمال، عن طريق إعطاء شعور للبنانيين بأن هناك من يهتم بحالتهم الاجتماعية وسوق العمل ليس مغلقاً أمام الشباب، حيث إن لبنان يعاني البطالة بنسبة 34%، وهو أمر كبير جداً ولا يمكن تحمله بالنسبة للشباب الغاضب في لبنان، مؤكداً أن هناك غمامة واضحة حول الموقف بعد انتهاء المهملة التي أعلنها الحريري، حيث إن كل شيء مغلق الآن في لبنان من مدارس وجامعات وغيرها. وأكمل، أنه يجب وضع حلول جذرية وصادقة يمكن من خلالها طمأنة المواطنين للعودة إلى الحياة الطبيعية مرة أخرى، والانتهاء من هذه الحالة التي تتسبب بحالة شلل في المجال العام. ويرى الدكتور بشير عصمت، أكاديمي لبناني وأستاذ علم الاجتماع والتنمية في الجامعة اللبنانية، أن «الحكومة ما زالت تُصر على عدم الاستجابة الحقيقية لمطالب المتظاهرين حول فرض الضرائب ومحاسبة الفاسدين وإقالة الحكومة بالكامل، وأيضاً ملف الحريات العامة». وشدد في تصريحات لـ«الاتحاد»، على أن ما جرى خطير، وستكون له تداعيات كثيرة على صعيد الحركة الشعبية، وعلى صعيد الرأي العام والقوى السياسية. وعن تصريحات حسن نصر الله، قال أستاذ علم الاجتماع والتنمية، إنه ليس بالأمر الجديد، مشيراً إلى أن «هناك ملاحظتين في التصريح، الأولى هي الإشهار عن أن حزبه ليس من الذين يقفون وراء التحرك، ثانياً اعتبار «حزب الله» نفسه جزءاً من المنظومة السياسية يدافع عنها ويستميل الحريري إلى صفه أو يحسم هذا الميل، الأمر الذي يجعل جنبلاط قوى سياسية معزولة عن إدارة الحكم». وأكد أن «الحراك سيستمر بقوة في رفض السياسات المعتمدة من قبل غالبية الناس، وأن السلطة تعرف ذلك جيداً ولم تعلن أي حسن نوايا، وقوى المعارضة الشعبية هي أقوى من أي يوم مضى»، لافتاً إلى أن هناك إعادة ترتيب للتحالفات في المنطقة، مضيفاً أن هذه الحكومة انتهت ولا قيام لها، ومعها تنتهي مرحلة سياسية استمرت منذ نهاية الحرب، مشدداً على أن السلطة ارتكبت خطأً فادحاً ومن معها، باستخدام العنف غير المبرر، رغم كل الوعود بحرية التظاهر، وأن قوى الاعتراض هي المستفيد الأول من ذلك، ربما كانت هي جزء من البدائل المحتملة. وخرج الرئيس اللبناني الأسبق، أمين الجميل، عن صمته، مؤكداً أن ما يحدث في بيروت أمر استثنائي، وهو تكرار لتظاهرة خروج الجيش السوري، لافتاً إلى أن كل المناطق اللبنانية تتظاهر اليوم تضامناً مع مطلب إسقاط الحكم، مؤكداً أن التظاهرات الكبيرة في لبنان إجابة واضحة على خطاب أمين عام «حزب الله»، وأن الشعب يرفض ممارسات «حزب الله»، ويريد السيادة، لكنهم غير مجمعين على إسقاط العهد. وزير الدفاع اللبناني السابق النائب عبد الرحيم مراد الوزير، أشار لـ«الاتحاد» بأن الأحداث الحالية مرتبطة بتراكمات لمواقف سابقة أدت في النهاية إلى الانفجار في الشارع وحالة التأييد العامة لهذا الحراك، مشيراً إلى أنه يجب مواجهة الفساد والحد من البطالة، ووقف فرض الضرائب على الفقراء، وهي أمور ستؤدي بالطبيعة إلى الهدوء في الشارع اللبناني، ولكن التعنت مع هذه المطالب سيؤدي إلى تفاقمها ودخول لبنان في نفق مظلم لم ينج منه أحد.
مشاركة :