استوقفني أهمية الكتاب وعنوانه كما هو أعلاه، فكان لابد من تقديم قراءة في الكتاب او المادة البحثية التي قام بها الباحث الكوبي ريجوبيرتو ارنانديث باريديس، الدكتور في علوم التاريخ وقد تقلد مناصب عديدة من ضمنها مدير «متحف بيت العرب» التابع لادارة التوثيق التاريخي في هافانا. واهتم مبكرًا في مساراته البحثية بالجوانب المتعلقة بالثقافة العربية ومسارها وتفاعلها في كوبا، وقد شمل ذلك كل ماهو عربي، سواء كان هذا الموروث أو البصمة العربية مرئية او غير مرئية، ثم تشعب على دراسة الموضوع العربي وصورته في سرديات امريكا اللاتينية برمتها. نشر عدة أبحاث من بينها كتابه الهام «العرب في كوبا» عام 2007 وبه فاز بجائزة كاتاورو وبجائزة من جامعة هافانا واكاديمية العلوم وتتوج بحصوله على وسام الثقافة الوطنية. نحاول قدر الإمكان التكثيف والعرض على هذا النتاج القيم بتقديم قراءة عميقة لكل ما جاء في صفحاته باعتباره كتابًا مهمًا حتى وإن كانت صفحاته كبحثٍ رصين لم تتعد، بعد الترجمة العربية مائتين صفحة من الحجم المتوسط. تمركزت محاور البحث على الهجرة العربية الأولى للقارة اللاتينية في منتصف القرن الثامن عشر، ثم تتالت وتنوعت موجات الهجرة الثانية والثالثة ما بين القرنين التاسع عشر وفيما بين الحربين في القرن العشرين، لتستكمل الهجرات الاخيرة وتتسع لدول عدة لاتينية في القارة الملتهبة بالاحداث السياسية وبالتحولات الاجتماعية المعقدة، فكان جزءًا من تفاعل تلك الشخصية العربية في المجتمع ومساهم فاعل في بنيتها الاجتماعية ومنخرطًا في كل الصراعات الطبقية والسياسية، منذ أن وطأت قدم العربي القارة حاملاً معه ملامحه وتراثه وعاداته، غير ان لكل جيل مهاجر (يفضل البعض استعمال عبارة المغتربين بدل المهاجرين) ملامحه وتحولاته في بلدان تلك القارة نفسها، والتي كانت تشهد غليانًا سياسيًا وحركات سياسية تنشد الاستقلال الوطني وبناء دولها الحديثة المستقلة، أولاً من الكولونياليات القديمة البريطانية والبرتغالية والاسبانية وغيرها، حتى آخر معاركها بمناهضة اليانكي الأمريكي، الذي استبدل مقاعده الكولونيالية القديمة وجلدها بمقاعد كولونيالية جديدة بتنجيد جديد لتلك المقاعد والمباني وتلك الواجهات والعادات القادمة من وراء المحيط الاطلسي ومن الدولة العظمى الجديدة المجاورة (أمريكا الشمالية) التي بدأت ولاياتها تتشكل في داخلها كما هي دول أمريكا الجنوبية والوسطى (اللاتينية). ومع نمو سريع في القارة بدأت تجتذب تلك النشاطات شعوب دول كثيرة في القارة الاوروبية ودول عربية من الشرق الاوسط، كما هي لبنان وسوريا وفلسطين، ورقم بسيط من المهاجرين المصريين قدموا في الموجة الثالثة، فيما عرفت القارة مبكرًا الترويكا الشرق الاوسطية من بلدان ما كانت تعرف وتسمى بلدان الشام، والتي كانت قابعة تحت نير الاستعمار العثماني. وبقدر ما كانت تشهد الامبراطورية العثمانية من صعود ومعارك وحروب واحتلالات في غزوها لمناطق في الشرق والغرب، ما بين عامي 1700-1900، فإن تلك التدخلات في المنطقة العربية للاجنبي تحت يافطة الاسلام ودولة الخلافة، كانت في ذات الوقت نفسه من الجانب الآخر ستشعل حالة الوعي القومي الجديد في المنطقة، والذي سيدفع في مراحل تاريخية لاحقة الى نشوء حالة التمرد والغليان والثورات التي لم تستكمل مشروعها في التحول القومي العربي، فقد ورثت أوروبا الكولونيالية مناطق نفوذ الامبراطورية العثمانية، خاصة تقاسم بريطانيا وفرنسا للمنطقة العربية. من الجانب الآخر كان البطش العثماني وهيمنته وحالة الفقر دفعت مجموعات متلاحقة للرحيل نحو عالم الديسبورا الجديد، فكان عليهم الرحيل بعيدًا فوق ظهر البواخر من ميناء طرابلس عبر بوابة بلدان جنوب أوروبا كاليونان وايطاليا واسبانيا والبرتغال، حيث نشطت في هذه الفترة عملية التطور الصناعي وإنتاج سفن بخارية قادرة على الوصول الى أقصى نقطة في الكرة الارضية.
مشاركة :