يتوقف الباحث الكوبي ريجوبيرتو للسرديات في الوقت الحالي، لنلمس مدى العلاقة بين الكاتب والتاريخ عند معالجة ظاهرة ما بقوله: «بدأ بعض الكتاب، بفضل نتائج البحث التاريخي، وليس عن طريق التجربة الشخصية، في كتابة اعمال سردية توضح بتوسع كبير حضور الوافدين العرب في أكبر جزيرة بالكاريبي». وخير نموذج ظهر هو رواية «رسول السلطان» الصادرة حديثًا للروائي ارنيستو جوميث أباسكال، الذي يبني عمله على حدث تاريخي – حضور الجنرال التركي أحمد باشا، مساعد السلطان العثماني عبدالحميد الى كوبا عام 1898 – ويشير للجاليات العربية في البلد والأعمال التجارية التي تقوم بها، ومن خلال حوار بين الجنرال والقنصل العثماني في هافانا «كيريكو جايوسترا» فتلعب الرواية في «توثيق التاريخي» مستندة في ذات الوقت في مرجعيتها على الحدث التاريخي، فنلمس من خلال المؤلف حقيقة العرب المهاجرين الى كوبا: «لدي علاقات بأشخاص كثيرين، بعضهم يقيم في المستعمرة من رعايا الدولة العثمانية، وأحاول مساعدتهم في تخليص أوراقهم أمام السلطات: تصديقات، وإجراءات خاصة بالهجرة، وكما تعرف.. فعددهم بالمئات، وأغلبهم يأتون من جبل لبنان ومن سوريا، أناس أغلبهم مقاولون وتجار مهرة». ثم يرسم الراوي بعض من سمات الجاليات العربية بنوع من الرتوش العابر حول الأصول العربية وتكوينها الديني، مهامها الاقتصادية ومشاركة بعض أعضاء المستعمرة في حرب الاستقلال عام 1895 فنجد حوارًا مقتطفًا: مسلمون أم مسيحيون؟ قاطعه أحمد «المسلمون قليلون جدًا أغلبهم مسيحيون مارونيون ويتركزون هنا في هافانا في إحدى الطرق المؤدية لضواحي المدينة في منطقة كالثادا دي مونتي، التي تتحول لمنطقة تجارية». في هذه اللوحة تبدو تفاصيل للشارع والمنطقة وحيوية الجالية العربية في كوبا. وأي موقف اتخذوه في الصراع الذي تعرضت له الجزيرة، وكيف فتحوا لأنفسهم طرق في التجارة كباعة متجولون في شوارع القرى، والأكثر من ذلك يمنحهم الروائي سمات هامة بقوله بأنهم: «ليسوا أنانيين»، وبأنهم عانوا كثيرًا من هذه الحرب الكارثية «بعضهم انتفض مع المتمردين وعادة ما يتحدثون عن القبطان الشهير الذي يدعى الياس توما وعن آخرين من عائلة داوود». ويتعرض الكاتب المكسيكي جييرمو سانتيس دي أندا في روايته (دون سيمون اللبناني) لعدة مقاطع عن المهاجر اللبناني في هافانا، والذي يحدثه عن الجد اللبناني سيمون سلفادور ايوب المقيم في المكسيك هو وحفيده المكسيكي سيمون سلفادور بيدروثا المرشح لمنصب المحافظ، فتطل وظيفة مختلفة للعربي عن المهن السالفة. كما ترد استحضار ذكر شخصية عربية مهاجرة في الباخرة كان يعيش من قبل في كوبا قبل هجرته للمكسيك، تتردد تلك الشخصية على لسان «دون سيمون اللبناني». كما تهتم الرواية بشخصية الياس بركات الذي اصبح مدرسا للغة الاسبانية. كان بركات يمارس دور المحرض على ضرورة تعلم اساسيات اللغة الاسبانية، لتتمكن من العيش وكسب لقمتك. ونصح الراوية بوجود عربي يعيش في كوبا منذ سنوات، لا يعرف اسمه لان الجميع ينادونه «بالمورو*»(*المورسيكيون بالاسبانية هم المسلمون الذين بقوا في اسبانيا تحت الحكم المسيحي بعد سقوط الممالك الاسلامية وخيروا بين المسيحية او ترك اسبانيا في الفترة الواقعة ما بين 1609- 1614). ومن اللافت – كما يقول ريجوبيرتو – إن مصطلح «مورو» بقي كرمز للاسماء التي اطلقها الكوبيون بشكل اخوي على المهاجرين العرب. ويفرد الباحث صفحات عديدة للوافدون العرب في روايات الكاتب الكولومبي جابرييل غارثيا ماركيز، فينتقل البحث من التربة الكوبية الى التربة الكولومبية بتوظيف نصوص وسرديات روايات كاتب رصد بكل شفافية الحضور العربي في بلاده، فكان ماركيز روائي تاريخي في جوانبه التوثيقية لصورة العربي في سرديات امريكا اللاتينية.
مشاركة :