يستشهد الباحث الكوبي في دراسته على نماذج روائية كبيرة في القارة بقوله: «ولعل جابرييل جارثيا ماركيز (الكولومبي)، وجورجي امادو (البرازيلي)، مثار فخر الاداب الامريكية اللاتينية، فقد كانا شاهدين في عالمهما الواقعي (الروائي) على ذلك الحضور المستمر للمهاجر القادم من المشرق أو لنسله». ووظف الباحث عملين روائيين لمؤلفين كنموذج من عمل ثقافي موسوعي تجسدت فيه ملامح الشخصية العربية ونموذجها بتلك التسميات والنعوت «التركي» و«السوري» و«العربي» وهي الأسماء الشائعة التي أطلقها السكان المحليون في القارة على الوافدين العرب الذي جاؤوا من الشرق الاوسط. (هناك تأكيد دائم على أن العرب الذين جاؤوا للقارة كانوا من الشرق الاوسط). ويتم التركيز على عينة روائيين ليسوا من أصول عربية وآخرون «ينحدرون من الجيل الاول والثاني من مهاجري العالم العربي مثل الكولومبي لويس فياض والتشيلي والتر غريب، والذين كتبا روايات ذات موضوع واحد، تناولوا فيها حياة الجاليات العربية في تلك البلاد من خلال واقع حياة عائلاتهم المهاجرة، التي كانت دون شك حجر الأساس في إبداعهم السردي بملامحها العربية». عرفت البشرية موجة من الهجرات الكبرى والصغرى وكأنما التاريخ هو تاريخ هجرات عاشتها الانسانية، غير ان على مر العصور شغل القرن التاسع عشر واحدًا من أهم الحقب، حيث سجل القرن واحدة من أكثر الانتقالات السكانية لفتًا للانتباه على المستوى العالمي من خلال ملايين الافراد المنحدرين من عدة قارات أهمها أوروبا، حيث عبروا المحيط الاطلنطي تدفعهم عواقب الأزمات الاقتصادية وصراعات خاصة أخرى شهدتها مناطق مختلفة. لقد كانت الولايات المتحدة الامريكية «قبلة الكتلة المهاجرة» وفي حالة الاسبان كانت بالأساس المنطقة الامريكية التي تتحدث الاسبانية، وداخل هذه النواة، أي موجات الترحال الجديدة كان هناك ايضا المهاجرون من الولايات العربية التابعة حينذاك للامبرطورية التركية – العثمانية. عرفت الهجرة الأولى الى الأرض الامريكية منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر (1850 - 1900) من الشرق الاوسط بسبب الأزمة الاقتصادية وحدة الصراعات بين الطوائف المحلية كالدروز والمارونيين في لبنان في منتصف القرن 19 إضافة الى أحداث القرن العشرين خلقت الظروف الملائمة لهجرة عدد كبير من الافراد أغلبهم من المسيحيين وأيضا من المسلمين والدروز فكانت افريقيا والقارة الامريكية ملاذًا كآفاق جديدة بعد أوروبا. قدم الكاتب اللبناني أمين معلوف وجهة نظر متعددة الزوايا لحركة الهجرة وخاصة هجرة السكان اللبنانيين وهي ما تمثل عمود الهجرة الرئيس من الشرق الاوسط، وهي مسألة خلافية ايضا فهناك وجهة نظر ترى إن السوريين كانوا العمود الفقري لتلك الهجرة القادمة من الشرق الاوسط لأمريكا اللاتينية. ودون الحاجة للتوقف طويلاً عند تلك المسألة الخلافية، فإن معلوف يرى تلك الهجرة الكبرى خلال الحرب العالمية الاولى (1914 - 1918) وهي فترة ارتبطت بالمجاعة التي عاشها السكان اللبنانيون فكانت سببًا جديدًا للرحيل، حيث أشار معلوف: «لقد وضع دخول تركيا في الصراع، بجانب القوى المركزية (المانيا – النمسا – المجر) نهاية للحكم الذاتي بجبل لبنان، الذي صار محتلاً عسكريًا بقوات عثمانية، وما تلاه من قمع وجوع، نجم عنه مصرع ما يقرب من مائة ألف لبناني، وتشريد عدد هائل من البشر». ويسخر معلوف من مبررات الهجرة المتكررة بقوله «إننا لا زلنا نسمع حاليًا أن مبرر الهجرة كان المجاعة الكبرى التي حدثت عام 1915، وهو تزييف بالطبع، ذلك لأن هذه الحركة ترجع لعدة عقود من الوجود ولكنها زادت واستغلت فظائع المجاعة لتبرر هجرة من رحلوا من قبل لاسكات الشعور بالذنب وتأنيب الضمير».
مشاركة :