تتسع رقعة السرديات في أدب أمريكا اللاتينية حول حياة المجتمع والشخصيات العربية على مستوى ليس ثلاثة أجيال وحسب، بل باتت أكثر نحو الجيل الرابع نتيجة تواصل الهجرات وتنوع وانصهار الشخصية العربية في قاع المجتمع اللاتيني بكل وشائجه الحياتية. في رواية الأطفال يتبادلون الوداعات، يقول بابلو ارماندو فرنانديث: العرب – سوريون ولبنانيون – باعة الفضيات، لكن رغم الحياء الذي به تتناول هذه الرواية الصورة النمطية، إلا أن المثير للفضول هو الطريقة التي بها يدخل الى الموضوع. ففي رواية بابلو ارماندو (رواية البنات يودعن) يدور ذكر العرب المقيمين حول شخصية هجينة هي الخالة كلارا، التي تصّدر مظاهر كره الأجانب، حيث انها تنحدر من عائلة قديمة فقدت سلطتها وثروتها المحدودة. وهذه الشخصية تكره بافتخار كبير أبناء إقليم غاليثيا الاسباني صانعي نبيذ القرية (غاليثيا إقليم في شمال غرب اسبانيا اشتهر بالفقر والبؤس الشديد مثل جارته ايرلندا والبرتغال، ما دفع بسكانه للهجرة الى أمريكا اللاتينية)، كما تكره كلارا من يسمونهم بالعرب وتطال الكراهية الزنوج. مع ذلك لا تعرب عن هذه المشاعر أمام عائلتها !! حيث انه كما يقول الراوي: كانت تحتاط أن يسمعها أبوها او العم خواكين أخو أبيها الأصغر أو أن نسمعها نحن وهي تقدم تصنيفاتها الاجتماعية. شخصية الخالة كلارا المعقدة مصنفة في الرواية كحالة حيرة مثيرة للشفقة. كلارا نموذج امرأة تكرس وقتها لنقد سلوكيات أعضاء عائلات الآخرين مدفوعة بالتعالي لنسبها كعائلة قديمة كانت ذات يوم بسلطة وثراء. في النهاية هذه النظرة لنسبها تدفعها لرفض علاقة خورخي ابن عم الراوي ناديرا تلك الشابة العربية كما تبدو من جوهر السرد. ورغم إن نادير فتاة حسنة السلوك ومهذبة للغاية وايضا بيضاء وكاثوليكية كل ذلك لم يشفع لها هذا التمييز محاولاً الروائي عمدًا تأكيد الانتماء الكاثوليكي لنسبة كبيرة من اللبنانيين في كوبا. في رواية بابلو ارماندو هناك استعادة لحياة العرب الوافدين حتى ولو كانت بطريقة خاطفة لمنطقة بويرتو بادري، حيث نجد تجمعًا للبنانيين. فيما نرى الكاتب دانييل تشاباريا من الارجواي ومقيم في كوبا وهو أهم كتاب أدب الرواية البوليسية نجد شخصية من أصل عربي في روايته ارملات الدم شخصية المورو سعود كبائع متجول بقرية لاثيناجا عابرة وثانوية في سرديات الرواية التي تدور أحداثها في النصف الاول من القرن العشرين. يقول الروائي دانييل: أول من رأى القتيل كان المورو سعود ففي هذا اليوم يذهب لبيع بضاعته على ناصية لابينتورا. وهناك فيض من القصص تبرز فيها شخصية العربي وفي مهن جديدة كجزء من تطور اجتماعي متحرك. ويشير ريجوبيرتو في كتابه مؤكدًا بقوله: وأمام الندرة المفاجئة لموضوعات الوافدين العرب في السرد لم يكن هباء تقصي المقابلات والسير الذاتية ومقالات الروائيين الكوبيين التي فيها استعادوا بطريقة ما حضور المورو أو نسله في الفضاءات الاجتماعية الكوبية. في هذا السياق من المهم تعليق جيرمو كابريرا انفانتي في موضوعه في هافانا لطفل ميت عندما يشير الى تسميات المورو والبولنديون المستخدمة عادة لوصف المهاجرين العرب واليهود في كوبا. وفي نص آخر يذكر كابريرا انفانتي عن ظاهرة تنوع تسمية الوافدين العرب بقوله: ينبغي أن أذكر إنه اذا كان الناس في المحافظة مسقط رأسي يسمون كل اللبنانيين والسوريين مورو ففي هافانا كلهم يهود وكل من هو ألماني مجري بلغاري روسي أو حتى ليتواني يسمى بولندي دون وجود أي سبب منطقي لتسمية البعض بالمورو وتسمية البعض الآخر بالبولندي وأقل الوافدين من العالم العربي ومن أوروبا الشرقية في كوبا كانوا المغاربة والبولونيين. وهناك فتاة رقيقة من أصل مصري اسمها فلورا ناصر في السيرة الذاتية لصمويل فيخو عنوانها ثارابيكو الحساس كما يحدثنا الروائي ميغيل ميخيدس في فترة طفولته عن امرأة من أصل لبناني في مسقط رأسه: في الحال تعبر جوليتا اللبنانية أمام بيتنا فتتابعها أمي المضطربة أمام انقطاع التعويذات. كانت تصب الماء فوق خطوات العجوز وتتحدث عن أشرار العين التي تفرضها نظرة المرأة اللبنانية الحلوة. من تلك السرديات بإمكاننا مسك خيوط النسيج المعقد الذي حبكت به سرديات عدة حول هوية وطبيعة الشخصية العربية في معمار الرواية في دول أمريكا اللاتينية خلال أكثر من قرن.
مشاركة :