صورة العربي في سرديات أمريكا اللاتينية (4)

  • 11/11/2019
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

ويقدم صورة تفصيلية ريجوبيرتو لحالة تدفق الهجرة من حالة أفراد الى تطور مكثف وجماعي متنوع في بلدان أمريكا اللاتينية، حيث قال: «كان لهجرة الافراد من الشرق العربي الى أمريكا نماذج أولية منذ بدايات النصف الثاني من القرن التاسع عشر (1850-1900) ففي سنة 1854 وصل بوسطن بالولايات المتحدة طالب اللاهوت انطونيوفريحة البشحلاني وفي سنة 1859 وصل البرازيل اللبناني يوسف موسى، وفي السبعينات من نفس القرن يتحول دخول العرب للقارة من دخول فردي الى موجات جماعية ستتزايد جدًا في القرن التالي».  وكانت الوجهات المفضلة، إضافة الى الولايات المتحدة، كل من البرازيل والارجنتين والمكسيك وتشيلي، ولم تختف من الاحصائات دول مثل كوبا وبلدان أخرى في أمريكا الوسطى، فقد كانت معبرًا يمرون بها للوصول الى أهدافهم المفضلة، وكانت فنزويلا وكولومبيا والاكوادور تمثل للمهاجرين العرب ما أسماه كالدون نويهد (نويهض) «أرض الاختيار الثاني» عالجها في دراسة بعنوان «هجرة السوريين واللبنانيين والفلسطينيين الى فنزويلا وكولومبيا والاكوادور: توازن ثقافي لعلاقة قائمة خلال 110 سنة». ومسار الهجرة لم يمضِ على نفس المنوال في كل الدول بالتساوي ولا بنفس الايقاع في كل بلدان القارة وإنما بسبب وجود مجموعة من العوامل كحالة الاستقرار السياسي والرخاء الاقتصادي وفرص الاندماج الاجتماعي، ووجود قوانين تخدم دخول الاجانب، كلها ساهمت بشكل كبير في اختيار المهاجرين لدول معينة، وكما نسميها «الفرص والتسهيلات المتاحة» بحيث كانت الهجرة العربية متساوية ومختلفة في الوقت ذاته.  واذا ما كانت كوبا في فترة ما محطة عبور للمهاجرين الى الولايات المتحدة حتى نهايات القرن التاسع عشر، فبداية من 1899 وبدايات القرن العشرين، صارت هدفًا لموجات من اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين وقليل من المصريين، عزز ذلك الحاجة لقوة العمل بالجزيرة وقوانين المهاجرين الرحيمة التي وضعتها حكومات الجمهوريات الاولى.  واذا لم تكن فنزويلا نقطة جذب للشرقيين في القرن التاسع عشر، فإن بداية عام 1917 ومع اكتشاف مناطق بترولية، تحولت لمنطقة أكثر جذبًا.  وشكلت مرحلة الثلث الاول من القرن العشرين فترة من أكبر فترات تدفقات الهجرة العربية لأمريكا اللاتينية. وهي الفترة التي توافقت فيها حدة الأزمة الخارجية في المشرق العربي - كالمجاعة اللبنانية عام 1915 وبداية المشكلة الفلسطينية تحت الحكم البريطاني ودول اخرى - مع الظروف الملائمة في الجمهوريات الامريكية اللاتينية. وكانت كولومبيا للجاليات العربية قبلة مغطاة بالخشونة كما وصفها الشاعر والروائي جارثيا اوستا في العقود الاولى من القرن العشرين في موضوعه «عرب في وطنهم الثاني»، اذ جعلنا نلمس بداية تطور وتنوع العرب كطبقة تجارية جديدة ووسطى في طريق الصعود. كانت مجموعات صغيرة من التجار في قرطاجنة وغيرها من مدن مرتبطة بسلطة متحفظة، وتطمح لتشويه صورة العرب وقيمهم، نظرًا لقوتهم المتزايدة في المحال التجارية، كما إن إيقاف الهجرة أصبح لا يمكن السيطرة عليه.  عانى العرب في كولومبيا في البدايات من حالات المطاردة كمجتمعات مستضيفة، فيما الحالة التشيلية لم تتمكن تلك المجتمعات من منع عملية «الانصهار والاستيعاب» التي اصبحت مع مرور الوقت نموذجا في القارة باسرها.  يؤكد جارثيا اوستا نفسه متحدثًا عن المثال الكولومبي بأن «حركة الهجرة» مرت بمراحل متعددة، بداية من الخروج «المضطرب!» من المجتمع المرسل، حتى «الاستيعاب النهائي» في المجتمع المستقبل. فيقول اوستا: «كل شعوب الكاريبي الكولومبي كانت تتمتع اضافة الى القسّ والميدان والعمدة والعاهرة والموسيقي بمحل العربي، اذ هو محور حديث العامة، ومكان التجارة وتخطيط المغامرات»، فكم قاسى المهاجر العربي في سنواته الاولى او عقوده المبكرة من القرن التاسع عشر؟.

مشاركة :