هذه الأيام تحتل أسماعنا رائعة شريفة فاضل (تم البدر بدرى)، تعودنا أن نختصر كل شىء بأغنية واحدة تعبر عن مشاعرنا، ومهما حاولنا - إلا فى ما ندر - تظل واحدة هى العنوان، ويخفت بجوارها كل الأغنيات الأخرى. المسحراتى هو سيد مكاوى بأشعار فؤاد حداد، حاول عمار الشريعى أن يقدم مسحراتى آخر مطلع الألفية الثالثة فى التليفزيون المصرى ولم تنجح المحاولة، لأن مشاعر الناس ظلت مسكونة بصوت ودقة طبلة سيد مكاوى. مثلاً عيد الأم لدينا فى الأرشيف أكثر من عشرين أغنية، إلا أن (ست الحبايب) تظل هى النشيد القومى للأم، وكل ما قُدم مواكبا لها أو بعدها كأنه لم يكن، رغم أننا سنوياً لا نكف عن محاولة صناعة أغنية، ولكن هيهات أن تنافسها أغنية أخرى. (الربيع) فقط وعلى سبيل الاستثناء الذى يؤكد القاعدة، حيث صار له وجهان، جاد وضاحك، الأول لفريد الأطرش يمتلئ بالشجن والدموع (الربيع) 1949، ولسعاد حسنى الابتسامة والضحك (الدنيا ربيع) 1974. نستقبل رمضان كل عام برائعة عبد المطلب (رمضان جانا وفرحنا به)، التى وصفها طِلب وعن حق بأنها أهم من بيان المفتى لإعلان قدوم الشهر الكريم. تحتل أغنية عبد المطلب المساحة الرئيسية طوال النصف الأول من رمضان، ولا نكف عن تداولها، وأتحداك لو شعرت بلحظة ملل. الكلمات التى صاغها حسين طنطاوى مباشِرَة وليس بها خيال شعرى، لكن ما منحها كل هذا الانتشار لتستقر فى قلوبنا هى العمق الشعبى الذى نسج به الموسيقار العبقرى محمود الشريف اللحن، ومن خلالها يتوهج صوت طِلب، بلغ نجاح الأغنية أن التليفزيون صورها مرتين فى بداية (الأبيض والأسود)، وكانت الصورة بليدة، نساء يمسكن بالفوانيس يقفن خلف عبد المطلب، وأعاد المخرج يسرى غرابة تقديمها مجدداً، وهو التسجيل الذى نراه حالياً، حيث خرجت الكاميرا بعيداً عن الاستوديو لتنقل بهجة الشارع، عشرات من الأغانى ظهرت فى رمضان، نجاة وفايزة وفوزى وعبد العزيز محمود، وصولاً إلى الثلاثى المرح وغيرهم، حتى عبد المطلب له أغنية أخرى عن رمضان، ولكن ظلت (رمضان جانا) هى العنوان، الأغنية الأسبق (وحوى يا وحوى)، وكلماتها كما تقول أغلب المراجع فرعونية، وهى تعنى الغناء للقمر، صاغها حسين حلمى المانسترلى، ولحنها أحمد الشريف، صمدت وحتى الآن تجدها فى صوت الفانوس الصينى. ومع اكتمال القمر يتغير مؤشر المشاعر فى النصف الثانى، حيث تبدأ الوحشة لرمضان، وهكذا يأتينا صوت شريفة فاضل (تم البدر بدرى/ والأيام بتجرى) يبدأ العد التنازلى، يتناقص البدر ليولد مرة أخرى كمحاق فى السماء مع بداية شوال ومقدم العيد، تلك الأغنية الرائعة التى كتبها عبد الفتاح مصطفى، وهو أكثر شعراء الأغنية إبداعا فى هذا اللون، فلقد كتب كل أغانى عبد الحليم حافظ الدينية. الأغنية منحها الموسيقار الرائع عبد العظيم محمد مسحة من الشجن لتصبح دلالة على الأيام الأخيرة، بينما (رمضان جانا) تنزوى فى الركن البعيد الهادى من الذاكرة حتى العام القادم. حاول أن تستعيد حالة الشجن والروحانية التى تكسو الكلمات (والله لسه بدرى والله يا شهر الصيام)، ثم تابع (أيامك قليلة والشوق مش قليل/ والغيبة طويلة ع الصبر الجميل)، ثم (بتحلف يتيمك ما تلمح دموعه / وتسره بقدومك وتنور شموعه/ وتسيب يوم وداعك فوق الأرض عيد). الغريب أن هذا اللحن الرائع كان أول من اعترض عليه كما قال لى الملحن عبد العظيم محمد، هو الشاعر عبد الفتاح مصطفى، وتوقع له الفشل الذريع!!. [email protected] المقال: نقلاً عن (المصري اليوم).
مشاركة :