المسرح الخليجي: هوية أم هويات؟! (3/1)

  • 5/12/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

أعتقد أن موضوع أو المعنى الإصطلاحي للهوية، ليس على صعيد المسرح فحسب، وإنما على شتى ومختلف صعد الثقافة والفكر والسياسة، خاصة في وطننا العربي، أصبح إشكاليا وملتبسا ويستعصي أحيانا علينا حتى فهمه وموضعته، خاصة في ظل صعود مد القوى الظلامية والإرهابية الكاسح في وطننا العربي، وتشتت وتشرذم وأفول الوهج التنويري فيه، بغياب وأحيانا بانسحاب بعض التيارات المحسوبة على هذا الوهج يوما في وطننا العربي، وخاصة في الخليج منه، نحو تحالفات رجعية مع هذه القوى أدت في نهاية الأمر إلى أن تكون جزءا من هذا المد الظلامي، وعونا له في تنفيذ مآربه الخبيثة الرامية إلى تهديد وهج الهوية التنويرية في وطننا العربي، هذا الوهج الذي كان منذ ثلاثينيات القرن الماضي وحتى منتصف ثمانينياته الأول، يتجلى في مختلف مشارب الحياة العربية، وكان المسرح من بينها أنموذجا لقائيا حيا، تتجسد من خلاله كل هذه المشارب والمعارف، سواء قدمت بشكل مباشر كما كانت في البدايات، أو بشكل تحريضي كما كانت في ستينيات القرن الماضي، خاصة بعد تبني المشروعات الثورية التي أنتجتها بعض الثورات في وطننا العربي، أو برؤية فكرية وفنية باحثة وقارئة لراهن ومستقبل هذا الوطن، كما كانت في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وإن امتد وهج بعضها إلى تسعينيات ذاك القرن، كما تجسد وبرز بشكل واضح في رؤى ومشروعات الكاتب المسرحي الراحل سعد الله ونوس، أو في رؤى شهيد المسرح العربي المخرج والمؤلف الجزائري عبدالقادر علوله. ولكن نبؤة ونوس في مسرحيته "سهرة مع أبي خليل القباني" التي كتبها في عام 73 من القرن الماضي، لا زالت لنا بالمرصاد حتى يومنا هذا، وتتجسد في مؤامرة قوى المد الظلامي والإرهابي على المسرح التنويري في وطننا العربي، والخليج العربي جزء لا يتجزأ من هذا الوطن، وهي مؤامرة تتجه باتجاه تدمير هويتنا التنويرية وحرقها، باعتبار المسرح هو تظاهرتنا الحية التي من خلالها يتشكل ويتبلور الحراك المسرحي. ولو كان ونوس فكر اليوم بكتابة هذا النص التنويري النبوئي، لربما قتلت فكرته التنويرية تلك، قبل أن يشرع حتى في كتابة الحرف الأول من نصه، لذا يحسب لونوس أنه قرأ ما حدث في عهد "سعيد الغبرا" وما يحدث في زمنه وما سوف يحدث، فكانت هذه المسرحية كما أراها الآن "المنفيستو" الأول لهوية التنوير في مسرحنا العربي، وهي الرسالة التحذيرية الأولى من خطر وكارثة إرهاب قوى الظلام للمسرح التنويري وأهله في الوطن العربي. وكانت لتجارب ونوس ومن سبقه من المسرحيين التنويريين العرب ومن لحقه، تأثيرها الفاعل والمؤثر على رؤى مسرحيينا في الخليج العربي، والذي تجلت عبره رؤى وتجارب لا يمكن أن تخطئها العين في مسرحنا الخليجي، خاصة في بؤرها وسياقاتها القومية والعربية والإنسانية، التي زادت من رقعة اتساع هوية التنوير في مسرحنا، ونماذجنا إلى هذه الهوية في بناها وآفاقها الحداثوية المبكرة، تجارب الراحل الكويتي المخرج صقر الرشود والمؤلفين الكويتيين عبدالعزيز السريع وسليمان الخليفي، وأغلب تجارب مسرح الخليج الكويتي، وتجارب المؤلف الشاعر ابراهيم بوهندي، خاصة في مسرحيتي سرور وإذا ما طاعك الزمان، وتجارب المؤلف المخرج خليفة العريفي، والمخرج عبدالرحمن بركات، وتجارب فرقة أوال المسرحية بالبحرين، بجانب تجارب المؤلف المخرج القطري عبدالرحمن المناعي. هذه التجارب التي تبنت التنوير بوصفه هوية، كان لها تأثير مباشر على الحراك المسرحي في دولة الإمارات العربية المتحدة، وخاصة إمارة الشارقة التي استقطبت رؤى التنوير المسرحي في الوطن العربي والخليج العربي، والتي أسهمت في تأسس ركائز ودعائم الحراك المسرحي التنويري الخلاق بدعم ملموس وفاعل من حاكمها المؤلف والمسرحي الكبير، سلطان المسرح، الشيخ الدكتور سلطان محمد القاسمي، هبة الله النفيسة للمسرحيين العرب على الأرض، والذي حمل على عاتقه مهمة تطوير المسرح في الخليج والوطن العربي بمختلف أقطاره، والذي كتب للمسرح ما يمكن أن يحفظ له هويته التنويرية حتى أمد بعيد، ولكن الواقع العربي أسوأ مما نتخيل، خاصة في ظل صعود مد القوى الظلامية، واستهدافه للمسرح التنويري ووأد روحه وكياناته، وهشاشة أغلب عظام رؤى المسرحيين في خليجنا العربي. فاصلة.. حقيقة لا أعرف في زمن نعيشه كزمننا هذا، يكون الماضي فيه ملاذا نحتاجه، وربما يكون الماضي فيه مضيئا إلى درجة يكون هذا الماضي هو المستقبل الذي نطمح في تحققه، فعندما نتحدث عن المسرح العربي، والخليجي منه، الستيني والسبعيني، نكون فعلا بصدد الحديث عن مسرح الضوء، مسرح التنوير، مسرح الوعي والفكر، مسرح مقاومة الجهل والتخلف والإرهاب، ولكن عندما نقف الآن على حال المسرح، فيا ترى عن أي هوية نتحدث؟

مشاركة :