الآن، عندما نلقي نظرة سريعة على واقع وحال مسرحنا الخليجي، ولا أستثني المسرح العربي منه، نلحظ أن قوى الظلام والإرهاب، تمكنت من أن تتسيد على المشهد العربي برمته، بل أصبحت حالة مسرحية مثيرة تتجسد على أرض الواقع دون حتى كتابة نصوص أو ممثلين أو سينوغرافيا أو حتى مخرج، إذ الحدث الواقعي أصبح أكثر دراماتيكية من المسرحيات التي تعرض الآن في الخليج العربي، فالجرائم اليومية التي ترتكبها قوى الإرهاب الظلامية، أصبحت مادة مثيرة لأباطرة الأكشن في هوليوود، والمسرح عنها للأسف غائب، بل عاجز، تارك المجال واسعا لاتساع رقعة هوية الظلام في المشهد العربي والخليجي. للأسف الشديد، أصبح الحدث الواقعي يدعوك للترقب، أما أحداث مسرحياتنا فتعرف نتائجها من عنوانها أو حتى قبل أن تبدأ، والأكشن الهوليوودي أصبح طاغيا على الحدث الواقعي وقادرا على الإثارة، لذا أصبحنا قادرين على التعرف على هوية الحدث الواقعي، بينما تغيب الهوية عن المسرح، فعل الدراما والتنوير. إن أحداث الإرهاب تثير العالم كله، بينما أحداث المسرح لا تثير سوى جمهور الصالة وأحيانا تنفره منها.. إن قدرة الحدث الواقعي على صناعة وإثارة المخيلة لدى المتلقي، أصبحت أكثر قدرة وتأثيرا من المسرح، لاحظوا المفارقة، وكما لو أننا نتحدث عن الواقع بوصفه مسرح المخيلة والتأثير والهوية، بينما المسرح أصبح هو الواقع في مادته الخام! هناك فرق شاسع بين من يتبنى التنوير بوصفه هوية وبين من يتبنى الإرهاب بوصفه هوية أيضا، إنها رؤية الظلام الصادرة عن قوى الظلام ذاته. بل أن بعض العروض المسرحية التقليدية أصبحت وصارت أكثر قدرة على تبني هويتها من التجارب المسرحية الحديثة الطارئة وغير المراكمة وغير الباحثة، كما أن هذه الأفكار التقليدية القديمة أصبحت مرجعية وهوية يتبناها بعض المخرجين وبعض الفرق في مسرحنا العربي والخليجي. والهوية طبعا لا تتشكل ولا تتنامى ولا تقوى وتتجذر وتتأصل إلا بتراكم طردي خلاق للعروض المسرحية التي تنتمي وتتبنى التنوير هوية، ولا تصبح ذات تأثير وفاعلية إلا بإيمانها أولا وأخيرا أن تكون مؤسسة تنويرية تنتمي للحراك المدني المستنير في المجتمع، فهل توجد مثل هذه الفرقة ذات الهم التنويري في خليجنا؟ الواقع مؤلم ومفجع وفادح، فأغلب فرقنا المسرحية، بدلا من أن تستقل برؤيتها، وتكون على تماس ساخن مع ما يحدث في الأرض، وما يتمتع به الإرهاب من حرية توشك أن تكون مطلقة في الفتك والوأد، للأسف الشديد تتجه نحو مذهبة وطئفنة الهوية في المسرح، ولا أريد أن أطرح أمثلة، إذ قد تجلى ذلك بوضوح في بعض مسرحياتنا الخليجية والعربية، والمهرجانات نموذج فاضح فاقع لما أذهب إليه، بل أن بعض المسرحيين الخليجيين باتوا ينظمون مهرجانات خاصة للفنانين ولأهل الطائفة فقط، مسرحيات تنفث بسمومها العفنة على الهوية التنويرية التي سخر المسرح لها نفسه منذ بزوغ فجر الظاهرة المسرحية في التاريخ. إن لهذه السموم تأثيرها السلبي على الهوية، فبدل أن يتسع مجالها التنويري والإنساني، يضيق وينحصر في هموم الطائفة وتطلعاتها التوسعية الضيقة، وكل هدفها ومسعاها، أن تنتقل سعة الهوية التنويرية، إلى ضيق الهوية الطائفية فتتسع بها وعبرها. إنها هوية إقصائية بامتياز، فبدلا من أن يكون المسرح بوسمه الإنساني والتنويري هو بؤرة التأثير، يصبح العكس، إذ الهوية الطائفية بأشكال وأنواع معتقداتها ومذاهبها ومآربها، هي التي تقود المسرح، وتلك الطامة الكبرى !
مشاركة :