«الفاينانشال تايمز» تتناول روايةَ «ساق البامبو» للسنعوسي

  • 5/12/2015
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

«ساق البامبو» رواية الكويتي سعود السنعوسي؛ هل هي رواية عائلة تفرَّقت بفعل النزوة فقط؟ بفعل الحواجز الطبقية، وبفعل النأي عن استجلاب العار؟ هل هي رواية الأب «راشد» الذي اضطر إلى ترحيل عشيقته التي كانت خادمة إلى بلادها (الفلبين) مع ثمرة تلك النزوة؛ فقط لأنها لا تتناسب ووضعية العائلة في الصورة الظاهرة التي يريدها المجتمع؟ وهل اضطر فعلاً؟ هل هي حكاية «هوزيه»، ثمرة تلك النزوة وصدمته بالجنة التي لم يرها كما حدثته أمه؟ أم هي حكاية مجتمعات تحوَّلت سريعاً في بنْيَتِها الظاهرة والسطحية؛ فطال أخلاقها شيء من ذلك التحول، من حيث القسوة والاستعداد للدخول في مزيد من تكريس التمييز والإمعان في الأذى؟ هل تقول رواية السنعوسي قصتنا؟ قصة جزء من عالم عربي ربما يكون جنة لبعض مواطنيه؛ ولكن مثل تلك الجنة - إن وُجدت - تتحول في المقابل إلى نار تمتد لتصليَ العمَّال المهاجرين الذين يتولون تنظيف وترتيب كل ما نتركه وراءنا اعتماداً على حاجتهم، والعناء الطويل الذي يمارسونه؛ كي يمنحوا أنفسهم وعائلاتهم شيئاً مما يدل على أنهم على قيد الحياة؟! وهل هي فعلاً جنات لكل مواطنيها؟ ستطل قضية «البدون» برأسها؛ أولئك الذين لم يعرفوا وطناً غير الذي يعانون من التمسك به؛ حيث لا هوية محددة لهم. ازدواج الاسم... الهوية ازدواج الاسم... ازدواج الهوية... ازدواج الوجود في ديانتين. تلك الازدواجية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالازدواجية التي يعيشها بعض بشر هذا الجزء من العالم؛ تلك الفارقة والفاصلة والمتناقضة بين قيم الدِّين الذي هم عليه، والمُثُل والأخلاق التي صار جزء كبير منها بائداً، والذي يرفض التعامل الفجَّ والمليء بالعنف والقسوة والجحود مع البشر؛ فقط لأنهم وُجدوا في هذا العالم كي يقوموا بالمهمات نيابة عن الأقوياء بضعفهم، وعن الأغنياء بفقرهم، وعن النبلاء بما يراه البعض عادياً ودونياً من جذورهم وامتدادهم. هم أنفسهم البشر الذين يشكِّلون طوفاناً بشرياً أسهم إسهاماً كبيراً في تحويل الأرض المقفرة إلى مراكز جذب واستقطاب وتهافت عليها. مجدَّداً؛ ليس هو الراوي ابن الكويتي (هوزيه) والفلبينية وحده في دائرة هذا الصراع الوجودي والنفسي والتمييزي أيضاً. هم كُثُر في حدودنا. وكثُر هم الذين لم يلتقطوا قصصاً بيننا أشد قسوة وأكثر جحوداً ونكراناً. الرواية اتسمت بأسلوبها الممتع وبساطة أدواتها في التشخيص، وثمة حكمة في الثنايا أيضاً. الروائية من أصل إيراني آزاده معاوني، كتبت مراجعة للرواية في صحيفة «الفاينانشال تايمز»، يوم السبت (2 مايو/ أيار 2015)، قالت في تفاصيلها: «إن العمل يبشِّر بروائي كبير... وحاجة ماسَّة لمنطقة الشرق الأوسط» لطبيعة الموضوعات التي تناولتها. وأشارت إلى أن السنعوسي يُمثل «صوتاً أدبياً طموحاً ومصقولاً وشجاعاً». ننشر أهم ما ورد فيها؛ مشفوعة بهوامش في ثنايا المراجعة ونهايتها. العارُ المُشترك مع كل المشكلات السياسية المتباينة التي تواجه دول الخليج العربية، هنالك عارٌ محلي مشترك: معاملة العمَّال المهاجرين الذين يُشيِّدون، ويقومون بعملية تنظيف للمباني المرتفعة التي تعطي مدناً مثل دبي ومدينة الكويت مظْهراً من الحداثة الأنيقة. كُرْهُ الأجانب، وسوء المعاملة التي يواجهها هؤلاء المهاجرون، وتحديداً من الفلبين وجنوب آسيا، الذين تركوا أسرهم وراءهم ليكدحوا على هامش المجتمع الخليجي، جانب من الموضوع الرئيسي لسعود السنعوسي، في «ساق البامبو»، الكتاب الثاني للروائي الكويتي، الذي تلقى الجائزة العالمية المرموقة للرواية العربية (البوكر في نسختها العربية) العام 2013، وقد حظيت بثناء كبير في العالم العربي لمعالجتها موضوعات هي نادراً ما تُعرف ويتم الاعتراف بها؛ ناهيك عن استكشافها وتناولها في عمل روائي خيالي، وفي منطقة الخليج. طرح وجهة نظر شاب في سن المراهقة، والطفل التي يأتي نتاج علاقة غرامية بين كويتي ليبرالي وخادمة فلبينية، ترمي في ما ترمي الرواية إلى الاهتمام أساساً بأسئلة المواطنة والهوية في الكويت. هناك، كما هو الحال في بقية دول الخليج العربية؛ حيث يعيش مجتمع عربي متعدِّد الأعراق؛ جنباً إلى جنب مع الطبقة الدنيا من المهاجرين الذين يعيشون في ظل ظروف معيشية تذكِّر بنظام العبودية الذي ظل سائداً في المستعمرات الأميركية في القرن الثامن عشر. ترسيخ المواطنة... «البدون» ماذا يحدث لمئات من الأطفال غير الشرعيين، من الذين ولدوا في ظل هذه الظروف؟ إلى متى يمكن أن تفشل دول الخليج في ترسيخ حقوق لمواطنيها، أكبر من تلك التي هي مجرَّد موضوعات يتم الانشغال بها، وكذلك إنكار المواطنة التامَّة لأولئك الذين يُعتبرون عديمي الجنسية من «البدون»؟ «عيسى» أو «هوزيه» الذي يحمل اسماً حُدِّد من قبل والده المسلم؛ وآخر عن طريق والدته المسيحية. يكبر في الفلبين، ويعود إلى الكويت في فترة المراهقة. تثيره ذكريات والدته الحزينة حول والده «راشد»، ونمط الحياة الكويتية. «عيسى/ هوزيه» يصل إلى مدينة الكويت مفعماً بالأمل، حريصاً على أن يأخذ وضعه في «الجنة» كما رسمتها أمه في أحاديثها. في الرواية مفترق طرق بين دينين: المسيحية والإسلام. إلى أيهما ينتمي؟ وبتلك الأحداث الطويلة التي مرَّ بها وكوَّنته. يكتشف «هوزيه» قبل عودته أن والده مات أثناء الحرب التي اجتاح فيها العراق دولة الكويت. في الكويت عالم غريب غير ذلك الذي وعى عليه ومر به في سن المراهقة. كان قد حضَّر أو وضع نفسه في مساحة تخيلية لحظة وصوله. حضَّر نفسه لأن يحب الصورة التي تخيلها لعائلته، وأن يكون محبوباً بينهم. جدَّته لأبيه رفضت أن يكون أحد أفراد البيت وهو صغير، ورفضته وهو في سن المراهقة. في الأعماق حب لا يجب أن يظهر على السطح تحمله الجدَّة. صوت «هوزيه» ذلك الذي يذكِّرها بابنها (والده). الكراهية وتحلُّل المجتمع للوهلة الأولى، تبدو رواية «ساق البامبو» جريئة، رواية مشغولة بالجانب الأخلاقي، معنيَّة بالكيفية التي تعمل فيها العنصرية وكراهية الأجانب على تتحلُّل المجتمع من الداخل. وتصوير ما لا يتزعزع مما يواجهه «عيسى» في كثير من الأحيان، والألم الفريد في حياة المهاجرين؛ بإنجاب أطفال فقط لتركهم وراء ظهورهم، رفْض أن يصبحوا تابعين للحفاظ على الذات. كل ذلك يؤثر بعمق. ولكن التحقيق الأخلاقي في لُب الرواية غير مُرْضٍ في نهاية المطاف. هنالك تيار من الاعتذار يطول في تمدُّده، ولاسيما في الرواية التي خلَّفها والد عيسى، والذي «صوَّر الكويت كما رآها. مع حب قاسٍ. إنه يريد تغيير الواقع بالرواية التي اتسمت بالصراحة والقسوة، ولكن الحب كان دافعه الوحيد». في بعض المقاطع يمكن تفهُّم أن السنعوسي يبدو في توجُّه لحماية نفسه، حين يعمد إلى إضعاف قوة قصته؛ ويُنتج خليطاً من رواية «مغامرات التوت الفنلندي»؛ التي كتبها مارك توين، ‏والتي نشرت للمرة الأولى في المملكة المتحدة في العام 1884، وفي الولايات المتحدة في العام 1885، وهي رواية بصيغة المتكلم (الراوي) - كما فعل السنعوسي - وتمثِّل تهكُّماً ونقداً للمجتمع الأميركي في الجنوب قبل الحرب الأهلية، وتمتلئ بنقد شديد للتمييز العرقي. و «الحارس في حقل الشوفان»، التي كتبها الروائي الأميركي جيروم ديفيد سالينجر وصدرت العام 1951؛ وكانت موجهة في الاصل إلى القراء البالغين، لكنها نالت شعبية كبيرة بين المُراهقين بسبب خوضها وتناولها موضوعات رئيسية كاليأس والعزلة خلال مرحلة المراهقة، وتقرير منظمة العفو الدولية، إلا أن الإحراج يكمن جزئياً في الراوي مع المراهقين، فهناك تناثر للحوار كثير على امتداد الرواية مثل «رائع» و «انظروا، يا رفاق!». عدم المطابقة في الحيوية فصول الرواية التي تدور في مانيلا لا تطابق أبداً الحيوية في الجزء الخاص بمدينة الكويت، وتشعر بأن بعض الشخصيات الفلبينية وكأنها شخصيات كاريكاتيرية. على رغم ذلك؛ فإن السنعوسي يبشِّر بروائي كبير. لوحته عن المجتمع الكويتي، والأسرة الفخورة وسط الكتاب لا تُنسى، وهذه الأقسام من الرواية تكشف عمّا هو قادر عليه السنعوسي. الكتاب يستحق الجائزة، ومثل هذا الصوت الأدبي - الطموح، المصقول والشجاع - هو حاجة ماسَّة في منطقة الشرق الأوسط. السنعوسي... ضوء يُذكر، أن سعود السنعوسي روائي كويتي وعضو رابطة الأدباء في الكويت، وجمعية الصحافيين الكويتيين. من مواليد العام 1981. فازت روايته «ساق البامبو» بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) في دورتها السادسة العام 2013؛ وقد اختيرت من بين 133 رواية مقدمة لنيل الجائزة، وسبق أن حصدت جائزة الدولة التشجيعية في دولة الكويت العام 2012. يكتب السنعوسي في صحيفة «القبس» الكويتية. أصدر روايته الأولى «سجين المرايا» العام 2010، والتي فازت بجائزة ليلى العثمان لإبداع الشباب في القصة والرواية في دورتها الرابعة، وفيها لعبة الراوي أيضاً في محاولة للاقتراب من الذات ونوازعها، كما تتضمَّن توظيفاً مركَّباً للتحليل النفسي والنقد السردي. وتقترب من معالجة موضوعات باتت مألوفة ومكرورة في كثير من الأعمال الروائية العربية مثل: العقاب والثواب، الوطن، الآخر المحتل، القيم، الحزن والوحدة. ثمة تجريب يسعى له السنعوسي بكل تلك القائمة من تناولات الرواية؛ الأمر الذي يصبح صعباً الخروج بتوليفة من الرؤى الراسخة والمقنعة في كثير من الأحيان؛ وإن لم تخْلُ منها بعض أجواء الرواية. معاوني... الانشغال باكتشاف الهويات يُشار إلى أن آزاده معاوني، كاتبة وروائية أميركية من أصل إيراني من مواليد العام 1976 في بالو ألتو بولاية كاليفورنيا. نشأت في سان خوسيه، كاليفورنيا، ودرست العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا في سانتا كروز. حصلت على منحة فولبرايت لمصر، ودرست اللغة العربية في الجامعة الأميركية في القاهرة. عملت لمدة ثلاث سنوات في منطقة الشرق الأوسط كمراسلة لمجلة «تايم»، قبل أن تلتحق بصحيفة «لوس أنجليس تايمز» لتغطية الحرب في العراق. في 4 فبراير/ شباط 2005، أصدرت آزاده كتابها الأول، وهو عبارة عن مذكرات بعنوان «جهاد أحمر الشفاه»، والذي تفصِّل فيه فترة وجودها في إيران، والسعي لاكتشاف المزيد حول هويتها الثقافية؛ وتبحث فيه تزايد الطلب على جراحات تجميل الوجه بعد الثورة، وترى في العمليات تلك أنها «تحقق عدة أهداف: مظهر أفضل، والتعبير عن الذات، وإظهار القدرة المالية على إجراء مثل هذه الجراحة، وتبدين غربيات المظهر». كما شاركت في تأليف كتاب مع الحائزة على جائزة نوبل للسلام شيرين عبادي بعنوان «صحوة إيران». متزوجة وتعيش في لندن مع زوجها وابنها، وتكتب تقارير حول إيران والشرق الأوسط لمجلة «تايم». عملت مؤخراً مع المحرِّر ديفيد إبرشوف على مذكرات جديدة حملت عنوان «شهر عسل في طهران: سنتان من الحب والخطر في إيران»، وصدرت عن «راندوم هاوس» في 13 أبريل/ نيسان 2009.

مشاركة :