القراءة الجادة والمجدية والمتعمّقة والفاضحة بتنا نفتقدها في وسطنا الثقافي الأمر الذي يجعلنا نقيم عند حدود المجاملات وتصبح قراءات البعض ومعاضدتهم المجانية للعمل الأدبي مضرّة بصاحب العمل بعد أن تحوّل القارئ المحترف إلى معلن فاشل كما يشير الدكتور سعيد كمون الذي يؤكد أن المتتبع لقراءة العمل سيكفّ عن تعامله مع الإعلان بعد السطرين الأولين حتى لا يقع فريسة الأسطرة الدعائية التي من شأنها أن تفرض قناعاً ما، يحول دون بلوغ الأرب المرتجى من تتبّع القراءة. وهذا ما نجده في «رواية ساق البامبو» التي وَضَحَ فيها التعجّل وعدم الاستناء، فالثرثرة فيها تبدو مجانية، لكنها مجانية لا ترتبط بسهولة المشاهد كما تلحظه ذلك في الروايات الحقيقية الفذة. فإيقاع السّرد رتيب وممل ومضجر لم تتجلّ فيه مهارة الأديب في إخفاء الصنعة كما يقول نقّادنا العرب منذ ابن الأثير: «إنّ مهارة الصُنّاع في الأدب تتجلّى في إخفاء الصنعة». فكاتب الرواية سعود السنعوسي رغم جهاده في إظهار عمله بشكلٍ خالٍ من العيوب الفنية إلا أنه لم يوفّق حتى وإن رافق فوزه تحشيداً غير واع من قبل البعض الذين أتخموه بآراء مجانية في أغلبها لا تخدم مسيرة الروائي ولا تساهم في إنضاج موهبته وتقنياته ليقدم عملاً سردياً مقنعاً. «ساق البامبو» هي الرواية الثانية للكاتب وقد سبقها رواية له بعنوان «سجين المرايا» التي قرأتُ غلافها ووجدت فيه خطأً إملائياً في الاستشهاد المجتزئ من الرواية، ونحن نعرف أن ما يوضع في الغلاف يكون مشهداً مثيراً به جماليات أكثر من غيرها في الرواية وهذه الملاحظة توحي بأن النص في الداخل سيكون أكثر إغراقاً في الأخطاء التي حتماً تضعف السرد وتقضي على جمالياته ما يؤكد أن السنعوسي عجول لا يأبه باللغة ولا بأدواته لأنه لم يجد من يبصّره بتلك العثرات، ولذلك فإن الرواية الفائزة بالبوكر لم تشهد أي تطور في التقنية إن على مستوى اللغة وجمالياتها وإن على مستوى النفس السردي والإمساك بخيطه بحرفية وإتقان لا تثيران فيك عثراته وفجواته الضجر. ولعل من يقرأ الرواية سيقف على تلك الأخطاء، وأبرز من كتب عنها الكاتبة شمس المؤيد وهي باحثة في الرواية وقارئة متعمقة حيث رصدت عبر حسابها في «تويتر» أكثر من ثماني عشرة ملاحظة فنية يستطيع أن يرجع إليها من أراد. وكذلك الناقد محمد العباس الذي -وإن مارس دوراً ملتبساً في رأيه حيث أشار في حسابه على تويتر أن الرواية حين تقرأها لا تستطيع أن ترفع رأسك من عليها حتى تكملها ما يفهم معه القارئ أن العمل لفرط جماله وجاذبيته يجبرك على إنهائه لكنّه نسف كل هذه القناعة بعد سؤالي له عن أبرز عيوب الرواية حين قال: «من عيوبها الحشو والترهل والقفز على بؤرة الحدث إلى آخره». ومارس ذات الدور الزميل طامي السميري والروائي بدر السماري والبعض من الزملاء الذين اتفقوا أيضاً على أن الحشو والمصادفات غير المنطقية شابت العمل. ولنا أن نتساءل: أي جمالية منتظرة إن على مستوى السرد في عمل هذه أبرز عيوبه؟. «ساق البامبو» ضمور وهزال طال تلك الساقين بفعل العجلة وعدم الإستئناء لنضوج التجربة في مختبر الذائقة عجّل بظهروها مجّانية الآراء المعاضدة والمضلّلة.
مشاركة :