في مجتمعات يري معظمها أن القراءة فعل تخريبي، يغيّب العقول، و أن الكتب تفسد العقل، باستثناء القرآن الكريم، تأتي ساق البامبو، في نسختها الروائية و الدرامية، لتعلي من قيمة القراءة و الكتابة كأفعال تحررية. لم تتجذر ساق البامبو التي من المفترض أنها ساق حرة تستطيع التنقل من مكان لآخر فتنبت من جديد، ربما لأنها نبتة منفتحة، شبه استوائية، آسيوية في الأصل، لم تستطع أن تتجذر و تعلو قامتها في مناخ صحراوي منغلق على ذاته. لكنها، و إن لم تتجذر أو تنبت، إلا أنها استطاعت خلخلة التربة الصحراوية حتي دخلها هواء مغاير، لربما تنبت فيها ساق البامبو لاحقا. أعتقد أنه و لأول مرة، يقوم كاتب عربي، كويتي، سعود السنعوسي، بخلق عالم روائي\درامي مغايرا لما ألفنا عليه. إذ بتوظيفه لمقولات و كتابات الشاعر و البطل القومي الفلبيني، خوسيه ريزال، التي ابتدأت بها أجزاء رواية ساق البامبو، و حلقات المسلسل الذي يحمل نفس الاسم، وخلق شخصية الراوي، هوزيه مندوزا، استطاع السنعوسي أن يُنطق الصوت المكتوم لفئة يتعامل معها الكثيرون على أنها ماكينات تؤدي عملها دون صوت، دون حكاية. هوزيه مندوزا، كما كتب حكايته، أمه خادمة فلبينية و أبوه كويتي من عائلة كبيرة. اسمه في الكويت، في الأوراق الرسمية، عيسى راشد الطاروف. طوال الرواية و المسلسل، يعتذر هوزيه\عيسى عن كونه نفسه التي يبحث عنها، و يسكته الآخرون دوما. فيكتب. فتصبح كتابته فعلا تحرريا له و لقرائه في كل مكان، مثلما فعلت كتابات خوسيه ريزال بالنسبة للشعب الفلبيني أثناء مقاومته للاحتلال الاسباني. يكتب هوزيه\عيسى روايته بالفلبينية، لغته الأم، و تنشر مترجمة إلي العربية، حاملة اسمه الفلبيني هوزية مندوزا. طوال الرواية\ المسلسل، يحتل اسم العائلة، الذي تلوّث بسبب هذا الولد الكويتي الذي أنجبته خادمة فلبينية، مكان الصدارة في المجتمع الكويتي\العربي عامة. إلا أن الاسم الذي يبقى، و يتم تخليده حقا هو اسم الراوي المؤلف، هوزيه مندوزا، و ليس عيسى الطاروف. تنتهي رواية ساق البامبو، بنشرها في كتاب مترجم، و ينتهي المسلسل بقراءتها من قبل كل أفراد عائلة الطاروف، حتى الجدة غنيمة، التي تري في القراءة تخريبا للعقل. هؤلاء الذين كانوا يعملون على اسكات صوت هوزيه و يرفضون وجوده بينهم. يتحرر المؤلف في نهاية روايته من أزمة انتمائه و يتقبل هويته المزدوجة فيحقق لنفسه بذلك التوازن النفسي الذي كان مفقودا في تنقله ما بين الفلبين والكويت، ما بين عائلة أمه و عائلة أبيه. يعود هوزيه إلى الفلبين لأن ساقه لا تتجذر في بيت الطاروف في بلد أبيه. لكنه ينجب ولدا بوجه عربي و يسميه راشدا كي يستمر اسم العائلة في الفلبين. يشاهد هوزيه مباراة كرة قدم بين بلديه، الفلبين والكويت، الهدف الذي يتم تسجيله لا يشعر هوزيه أنه ضده، بل في مرماه، أيا كان الفريق. فالفريقان يمثلانه. و ينتهي المسلسل بتحرر العائلة من أوهامها و هواجسها و مخاوفها. تتزوج هند، عمة عيسى من غسان الذي يحمل وصمة “ البدون “ و تصرخ نور، ابنة خالته نورية، بحبها لعيسى الذي يحمل جنسية كويتية و وجه فلبيني، في وجه جدتها غنيمة و العائلة، رغم معرفتها بنتيجة ذلك التصريح الصاخب. و هو فعل نتج عن انفتاحها على ذلك الآخر المختلف عنها، فرأته كإنسان، له صوت و لغة و حكاية مختلفة. و يقرأ غسان من الرواية ما يقوله هوزيه\عيسي، “ أنا لا أريد إلا أن أكون حرا فيما أكون و من أكون و أين أكون، و لكن حرية البعض للبعض الآخر قيد.”
مشاركة :