رواية ساق البامبو.. قراءة في دلالة ازدواجية الغلاف

  • 7/12/2024
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

السرد يعد بنية أصيلة في الخطاب الأدبي سواء أكان سرداً روائياً أم شعرياً؛ لأنّ رغبة الإنسان في الحكي، على ما يرى عبدالناصر هلال، هي رغبة إنسانية تكشف رؤيته للأشياء، وتحدد علاقته بالعالم إنها رغبة في البوح وإعادة صياغة العالم وهو في حالة تجلّ، وهذا ما نلمح صداه في رواية ساق البامبو للروائي الكويتي سعود السنعوسي التي تأتي أهميتها من قدرتها على المكاشفة، والجرأة في طرح قضايا مجتمعية مسكوت عنها علناً على الرغم من حضورها الفاعل في المجتمع، إنها قضية الهوية بأشكالها المتعددة، فالرواية تعالج تشعبات زواج الكويتي من فلبينية، ومصير المولود الناجم عن هذا الزواج عندما يصر المجتمع على عدم الاعتراف بمثل هذا الزواج، فتكون إشكالية الهوية هي القضية الرئيسة للرواية التي تعالجها على مساحة تقرب من أربع مئة صفحة والمتمثلة بشخصية البطل: عيسى أو هوزيه الذي تتشعب حياته بعد طرده مع أمه الفلبينية من الكويت بعد أن تعلم الجدة بزواج ابنها راشد منها. هذه الرواية لا شك أنها قد حظيت بمقاربات نقدية عدة، لكن اللافت أن الجانب النقدي قد أغفل التوقف عند جانب الشكل الفني الذي اعتمده السنعوسي في تقديم روايته، فقد انطلق الروائي في تقديم روايته إلى القارئ من حيلة فنية، تبرز في عتبة نصية هي الغلاف الافتراضي في بداية الرواية، فيمكن القول إن الرواية بغلافين خارجي ورد فيه اسم المؤلف في أعلى الصفحة (سعيد السنعوسي)، ثم اسم الرواية ببنط عريض: (ساق البامبو) ثم أسفل العنوان تجنيس العمل (رواية)، ثم صورة الغلاف التي تظهر فيها صورة سيقان البامبو متراصفة متلاصقة، لينسحب الروائي السنعوسي بعدها بحيلة فنية تظهر على صفحة داخلية/ غلاف جديد للرواية يوحي أنها مترجمة، فيرد في أعلى الصفحة اسم المؤلف: هوزيه ميندوزا، وتحته مباشرة اسمه بالإنكليزية، ثم اسم الرواية: ساق البامبو وأسفله: العنوان بالإنكليزية، ثم ترد عبارة: (ترجمة: إبراهيم سلام)، وفي أسفل الصفحة ترد عبارة: (مراجعة وتدقيق: خولة راشد)، والحقيقة أن هذه الصفحة بكل تفاصيلها هي جزء من الفعل السردي، وبها يفتتح السرد، إنها حيلة فنية لا تخفى على القارئ المتفحص، فاسم المؤلف هنا هو الشخصية الرئيسة للرواية، والمترجم هو صديقه في الرواية، وخولة هي أخته من أبيه الكويتي، وبالتالي فهذا العنوان هو جزء من السرد الروائي وحيلة فنية تكتيكية من الروائي السنعوسي لينسحب مما قد تحمله مقولات الرواية من أعباء ومسؤوليات مباشرة من خلال إلقاء عبء السرد على شخصية ورقية فنية، هي شخصية هوزيه ميندوزا، والطريف هنا أن الروائي السنعوسي، قد اعتمد الاسم الفلبيني للشخصية ولم يعتمد اسمه العربي (عيسى راشد الطارووف)، فأخفى الكاتب الاسم العربي للشخصية، وزين العنوان بعبارات الإنكليزية لاسم المؤلف، ولاسم الرواية، وهي حيل فنية تحاول إيهام القارئ بحقيقة الترجمة وحقيقة الأسماء، وإننا أمام لغة أخرى، لا شك أننا أمام طرافة ولعبة فنية أحسن الكاتب توظيفها، وأجاد في إيهامنا بأنها حقيقية، وتخفّى السنعوسي وراءها يحرك خيوط روايته ويتشعب في بيئاتها بحرية وبحرفية عالية، مع إخلاء فني لمسؤولية الكاتب مما تعبر عنه الشخصيات من آراء، قد يتفق معها الكاتب أو يختلف، أو قد يرفضها أو يقبلها، وبذلك تكون ذريعة الترجمة تقنية فنية لا تترك للكاتب أن يشكل رأيه الخاص خارج أسوار الرواية، فالرواية تطرح المشكلة وتصورها، ولكنها لا تدعي طرح الحلول الشافية والنهائية لها، كما أنها لا تتبنى أي رأي من آراء شخصياتها.

مشاركة :