بعد تحرير الكويت من الغزو الصدامي، بثت إحدى قنوات التلفزيون البريطانية برنامجاً وثائقياً شديد الحساسية بالنسبة لدولة الكويت. عُرض فيه العديد من الحالات التي صنفت كانتهاكات لحقوق الإنسان خلال الفترة التي تلت إعلان التحرير مباشرة ولغاية بسط الحكومة الكويتية سيطرتها على زمام الأمور. معظم ما عرض لم يستند إلى دليل قطعي بل بني على ادعاءات المتضررين وأهاليهم. من بين أخطر تلك المزاعم ما قدم كحوادث تصفية المتعاونين - مع القوات الغازية - من غير محاكمات عادلة. ولكن الحادثة الأشد إضراراً بسمعة الكويت كانت التصريحات التي أطلقها كويتيون مسؤولون عن توزيع المواد التموينية خلال تلك الفترة، حيث وثق البرنامج أن التوزيع يتم وفق معايير عنصرية. حيث كانت الأيام الأولى مخصصة للكويتيين فقط، على أن يفتح المجال لاحقاً لتزويد غيرهم. البرنامج خلص إلى أن الكويت التي من أجل تحريرها عرّضت القوات الأممية حياة أبنائها للخطر وضحت بالعديد منهم، تبين أن شعبها عنصري حتى في توزيع الماء والغذاء اللذين شاركت في جلبهما قوات متعددة الجنسيات. الرسالة الضمنية كانت بأن المجتمع الدولي يراقب مدى التزام دولة الكويت بتعهداتها قبل التحرير. العلاقات الدولية تغيرت جذريا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001. فمنظمة الأمم المتحدة - عبر مجلس الأمن - أصبحت تتدخل بشكل صريح في شؤون الدول التي تتهم باحتضان منظمات إرهابية أو رعايتها. والدول العظمى اعتنقت عقيدة سياسية جديدة تجيز لنفسها التدخل في شؤون الدول التي يثبت تعزيزها للإرهاب، سواءً من خلال برمجة فكرية حاضنة للإرهاب، أو عبر ممارسات منهجية سالبة للحقوق وقامعة للحريات عادة تدفع ضحاياها نحو التطرف. لذلك فإن الدول الغربية حريصة على متابعة أوضاع حقوق الإنسان في العالم ضمن جهودها لحماية أمنها. من أجل القضاء على مصادر الإرهاب ومسبباته، يجب على الحكومات توفير حياة كريمة لجميع مواطني القرية الكونية، ويتعين عليها ترسيخ التعددية في ثقافتهم. وقد يكون من بين الشواهد على هذا التوجه العالمي، الاتفاق الأممي على تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية الثالثة (MDGs) بحلول عام 2015. وأيضا تصريح الأمين العام للأمم المتحدة أمام الجمعية العامة - خلال عرض تقرير موجز عن برنامج التنمية لمرحلة ما بعد 2015 - الذي دعا إلى أن تكون الفترة المقبلة حقبة من التنمية المستدامة المرتكزة على مبادئ حقوق الإنسان وكرامته. مفهوم السيادة الوطنية للدول تغير كثيراً في السنوات الأخيرة وما زال يتقلص لمصلحة النفوذ الأممي، ولكن بإدارة دول عظمى. ومن بين المؤشرات على هذا التحول، مشاركة الأمم المتحدة في إسقاط أنظمة كانت مستبدة لشعوبها كنظام القذافي. وفي المحور القضائي نجد المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، فضلا عن مذكرة الاعتقال - التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية - ضد الرئيس السودانى عمر البشير على خلفية اتهامه بسوء استخدام سلطاته تجاه أعمال الإبادة الجماعية في دارفور، كذلك نلاحظ بأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تمتلك اليوم الحق في تنفيذ عمليات تفتيش مشددة ومفاجئة لمواقع سرية وسيادية في العديد من الدول. ولا ننسى أن مجلس حقوق الانسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة مكلف بالتقييم الدوري لأوضاع حقوق الإنسان في الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. باختصار، وبعيدا عن رأيي الشخصي، الهيئات الأممية تتخذ قرارات في شأن قضايا كان طرحها للنقاش مرفوضاً، بسبب تعارضها مع المفهوم التقليدي للسيادة الوطنية. والحكومات تكيفت مع نشر «غوغل» لخرائط وصور كان اقتناؤها في السابق دليلاً قاطعاً على خيانة الوطن أو التجسس عليه. نحن في عصر العولمة حيث يتحول العالم فيه إلى قرية واحدة. هذا التحول يعتبر سريعاً بالنسبة لمعظم شعوب العالم ومن بينها منطقتنا الشرق أوسطية والكويت تحديداً. مؤسساتنا المعنية بتشكيل الثقافة المجتمعية عاجزة عن مواكبة هذه التطورات، إن لم تكن بعضها في وضعية التصدي لها. لذلك ليس غريباً أن تصدر - بين الفينة والأخرى - قرارات تسيء لسمعة الكويت بسبب ما تظهر تلك القرارات من تعسف في استخدام الصلاحيات وما تتضمنه من سلب لحقوق الإنسان وكبت لحرياته. نحن بحاجة لتأهيل السلطات الثلاث لمواكبة تنامي الدور الأممي، ثم محاسبة من يسيء منهم للكويت عبر قراراته الارتجالية التي تحرجنا في المحافل الدولية، فتضر بمركزنا السياسي أو الديبلوماسي أو الاقتصادي. أصحاب القرار في السلطات الثلاث يجب أن يكونوا في مناصبهم خير سفراء لوطنهم.
مشاركة :