بغضب شديد تصف إحدى موظفات الشؤون الاجتماعية في مدينة شتوتغارت الألمانية وطنها بـ«الماخور الأوروبي». ومن هذا التوصيف يتخذ البرنامج التلفزيوني «كم هو سعر جسد امرأة أوروبية؟» له منطلقاً للبحث عن أسباب استمرار وجود «تجارة الرقيق الأبيض» في أوروبا وفي بلدان قطعت شوطاً طويلاً في حماية حقوق الإنسان ونادت بالمساواة بين الجنسين. المعطيات على الأرض تؤكد، ومن دون جدال، ازدهار تجارة بيع الجنس في أوروبا، إذ بلغ عدد «بائعات الهوى» فيها أكثر من ثلاثة أرباع مليون امرأة، نصف مليون منهن ضحايا الاتجار بالجسد أو من اللواتي أجبرن على ممارسة الدعارة، ما شكل فائضاً في سوق النخاسة تسبب في خفض أسعار المعروض من أجساد النساء في المدن الأوروبية المكتظة بهن، وهذا ما دفع بعض السياسيين وحماة حقوق المرأة إلى مناقشة الظاهرة والمطالبة بتجريم عملية شراء الجنس كما هي الحال في فرنسا التي يخوض برلمانها نقاشاً ومنذ عامين تقريباً في المسألة من دون البت بها. وبناء على هذه الحقيقة أي استمرار البغاء والمتاجرة بالجسد ركز البرنامج على حركة انتقال «الأجساد» من رومانيا إلى أوروبا الغربية، خصوصاً. في مدينة شتوتغارت التقى البرنامج بعدد من بائعات الجنس الرومانيات من بينهن فتاة اسمها غابرييلا حكت عن تجربتها بعدما بيعَت كـ«عبدة» إلى أحد أصحاب بيوت الدعارة. «لحاجتي إلى المال وفقر حال عائلتي وجدت نفسي تحت سيطرة رجل روماني أجبرني على بيع جسدي في مدينة تيمشوارا الرومانية وبعدها «باعني» إلى صاحب ماخور في ألمانيا». ينظر في ألمانيا إلى أصحاب المواخير كتجار وكأصحاب مشاريع لا تختلف عن غيرها سوى بنوع بضاعتها ويتمتعون مثل غيرهم بحماية الدولة كون تجارتهم قانونية. ويصف أحد مالكي الفنادق الواقعة وسط البلد عمله قائلاً: «أنا وسيط أبيع ما أشتريه بربح وأوفر في الوقت ذاته الحماية للعاملات عندي». كلامه هذا أغضب مسؤولة الشؤون الاجتماعية في المدينة التي ردت عليه بالقول: «لا يمكن قبول هذا الكلام فالحديث عن بيع أجساد البشر ليس كالحديث عن أسعار بيع الأحذية والموضوع يتعلق بمصير أكثر من ربع مليون شابة أُجبرن على ممارسة هذا النوع من الامتهان الجسدي». مقابلات البرنامج لعدد من الشابات الرومانيات يكشف عن حجم «تجارة الرقيق الأبيض» في أوروبا ويسلط الضوء على طريقة تفكير رجالها. أما عن أسباب انتشارها فالأمر يحتاج إلى مراجعة أوسع وهذا ما قام به معدو البرنامج حينما ذهبوا إلى فرنسا لكونها من البلدان التي لها نظرة «خاصة» لمفهوم البغاء» وكثيراً ما يضفي رجالها طابعاً رومانسياً عليها. لهذا فتجارتها عندهم مزدهرة وزيارة شارع «بوا دو بولوني» يكشف عن عادية تجارة بيع الجسد أمام أنظار رجال الشرطة، ما دفع بعض المدافعين عن حقوق الإنسان إلى تأسيس حركات ومنظمات تنادي بمنع ممارستها مثل حركة «زيرو ماتشو» التي تنشط وسط الناس وتدعو إلى مناقشة القضية. لكن اللافت أيضاً وجود حركات مناهضة لتحركهم تدعو إلى إبقاء الوضع على ما هو عليه متعكزين على تقاليد تاريخية عاملت بيع الجنس في فرنسا كنوع من الرفاهية. و»الطاحونة الحمراء» مكان كثيراً ما يستعينون به كمثال على رومانسية بلادهم وانفتاحها. أما عن بقية الأسباب التي تجبر الفتيات الرومانيات على الهجرة إلى الغرب وبيع أجسادهن فتطلب معرفتها الذهاب إلى البلد المصدر للتقرب من واقعه. يشير كُثر من الذين التقاهم البرنامج إلى الأزمة الاقتصادية التي تدفع عائلات كثيرة للتضحية بإحدى بناتها و «بيعها» كسلعة جنسية من أجل تأمين مصدر يؤمن عيشهم وأيضاً إلى القوانين الأوروبية التي سمحت بتجارة الجنس تزامناً مع دخول دول المعسكر الاشتراكي السابق إلى الوحدة الأوروبية كألمانيا مثلاً التي غيرت قوانينها عام 2002 توافقاً مع دخول دول الشرق الأوروبي إليها. تعترف إحدى الناشطات في منظمة تطوعية رومانية، من مهامها إرجاع الفتيات «المصدرات» إلى بلدهن بصعوبة المهمة لتداخل الأسباب وعدم اعتراف كُثر من أهالي الفتيات بجريرتهم مع أن الشعور بالإثم لا يفارقهم جميعاً. ويظهر في شكل جلي حينما تنجح المنظمة في استعادة لحمة العائلة وإجراء مصارحة بين الطرفين، كما يظهر في تجربة شابة صورها البرنامج لحظة نزولها إلى مطار المدينة وكلها ندم على تجربة لم تجن منها شيئاً سوى الإهانة وتحقير الذات. وهذا ما دفع أحد الناشطين الذي كان في استقبالها إلى طرح سؤال على الرجال في أوروبا عبر البرنامج «هل تقبل أن تبيع ابنتك أو واحدة من أخواتك جسدها وتُنتهك آدميتها كما حدث لهذه الفتاة التي أمامك؟».
مشاركة :