«من الحوادث التي وقعت للأستاذ نجيب الريحاني ما يفوق في غرابتها تلك التي يعرضها على مسرحه وتثير ضحك الجماهير، وفي هذا المقال يسرد على القراء بعض تلك الحوادث التي تزخر بها ذاكرته» هكذا قدمت مجلة «الإثنين والدنيا»، مقالا كتبه نجيب الريحاني بنفسه عن نفسه، تحديدا فى عدد مارس عام 1945، يحكي خلاله عن بداياته ومحاولاته الأولى التي واجهت الكثير من الأزمات لكي يصنع مسرحا بقى اسمه محفورا في التاريخ حتى يومنا هذا. يبدأ الريحاني مقاله ممهدا بأن أحداثه دارت في عام 1932، مضيفًا: «ضاقت الدنيا في وجهي وخالفني سوء الحظ، حين حاولت أن أقدم على المسرح لونًا جديداً من الروايات يخالف النوع الذي عرفت به، وألفه الجمهور، أي نوع الروايات الاستعراضية (الريفيوهات)، ولكن الجمهور أعرض عنها ومنيت تلك المحاولة بالفشل الذريع، وأخيراً عولت على الهرب من مصر، والاتجاه إلى أي بلد آخر من بلاد الله الواسعة». اعترض طريق «الريحاني وقتها متعهد حفلات أوهمه أنه ممول كبير، ويستطيع أن ينظم رحلة فنية رابحة في بلاد المغرب، فراقت لنجيب الفكرة وأقنع السيدة بديعة مصابني بالسفر معًا، مستكملا في مقاله: «اعتمدت على الله وشحنت أفراد و(فردات) الفرقة في باخرة صغيرة إلى تونس، ولم أشأ أن أسافر معهم في نفس الباخرة منعا للدوشة ووجع الدماغ، بل اتفقت مع السيدة بديعة على أن نسافر سويا في باخرة أخرى تقلع بعد الباخرة الأولى حتى إذا ما وصلنا وجدنا كل شيء معداً». لم يكد «نجيب» بصل إلى تونس، حتى علم أن الممول الكبير والمتعهد قد استدان مبلغ ألف جنيه وأنفقها في الدعاية والإعلان عن الفرقة، فقرر السؤال عن أعضاء الفرقة ليطمئن عليهم، لكنه لم يحصل لهم على أثر، وقيل له أنهم لم يصلوا بعد مع أنهم سافروا قبله بأسبوع! يضيف «الريحاني»: «أخذت أرسل البرقيات إلى الموانئ التي يرجح أن تكون الباخرة قد رست عليها، دون أن أحظى بجواب، ولم تصل الباخرة إلا بعد 40يومًا ثم بدأنا العمل، ولكن تبين أن حضرة الممول الكبير والمتعهد الخطير، كان قد اتفق مع بعض الجمعيات الخيرية على أن تحيي الفرقة بضع حفلات مجانًا على سبيل الدعاية والمساعدة وذلك في الوقت الذي كنا فيه أحوج الناس إلى المساعدة فكيف نعمل مجانًا؟!». شغل هذا السؤال ذهن «الريحاني» كثيرا، فلم يجد إلا حلا بأن يقترح على هذه الجمعيات أن تدفع النفقات الضرورية لحفلاتها، لكنها رفضت وثارت عليه وعلى فرقته، وحرضت الصحف فراحت تهاجمه بشدة وتصف فرقته بقلة الذوق، وهكذا قضي على الدعاية التي اتفق المتعهد في سبيلها ألفا من الجنيهات. يستكمل «الريحاني» حكايته قائلا: «اتهمتني إحدى الصحف بأنني رجل ثوري خطير، فطلبوا إلي أن أقيم في فندق معين، ووضعوني تحت المراقبة الشديدة، ولم يشف ذلك غليل الثائرين علي والغاضبين مني، فزعموا بأنني اتخذت الفن ستاراً لأتاجر في الرقيق الأبيض، وأني خدعت الممثلات والراقصات التي أحضرتهن إلى تونس لأتاجر بهن! ولكن ألقت الحكومة القبض علي بدون تحقيق، وزجت بي في السجن أيامًا حتى ظهرت لها الحقيقة». في هذا الوقت، تفاقم الخلاف بينه وبين السيدة بديعة مصابني وأعضاء الفرقة، فهم يريدون العودة إلى مصر، بينما «نجيب» يصر على بقائهم لإحياء بعض الحفلات لعلهم يستطيعون تعويض شيئًا من الخسارة، ولكي يمنعهم عن الهرب والعودة إلى مصر، لجأ إلى حيلة ذكرها في مقاله قائلا: «سافرت إلى بلدة (ساكاراه) وأخذت معي بعض حقائب أعضاء الفرقة، حتى لا ينتهزوا فرصة غيابي ويعودون إلى مصر، ولم أكد أصل إلى هذه البلدة حتى قبض البوليس علي بتهمة سرقة هذه الحقائب، وزجوني في السجن مرة أخرى ثم أفرجوا عني!». أخيراً عاد «الريحاني» إلى مصر وحاله أسوأ حالا مما كان عليه، ولسان حاله يقول: «ما تجي حاجة من الغرب، تسر القلب!».
مشاركة :