لدينا عدد كبير من الجامعات تحتضن كل واحدة منها في حرمها كما هائلا من الكليات المتخصصة بين شرعية، وأدبية، وعلمية، وغيرها، أضف إلى ذلك عشرات الآلاف من الطلاب المبتعثين والذين يتلقون تعليمهم الجامعي أو العالي في عدد من الدول المتقدمة. إلى هنا والأمور تبدو طبيعية ولا غبار عليها، ولكن دعونا ننظر ونحن على أبواب تخرج دفعات جديدة من الطلبة والطالبات ممن ستتجه لاحقا إلى ساحات العمل الحكومي أو الخاص باحثة عن فرصة عمل توفر له أو لها سبل العيش الكريم، وكما يعلم الكثيرون فإن مسؤولية التوظيف لا تزال معلقة وكلّ يحاول التنصل منها ويبقى الأمر مرتبطا بالحاجات وفرص العمل. نحتاج قبل التوظيف ولكي نساعد في تذليل بعض صعوباته لأن ننظر إلى مستوى التأهيل الأولي الذي يحصل عليه الطالب قبل تخرجه، وهل هو كاف للتعريف والتزود ببعض المهارات الأساسية التي تساعد الخريج ورب العمل على اختصار المسافات وارتفاع نسبة القبول. هناك فجوة كبيرة بين الكثير من الصروح الأكاديمية السعودية، وبين قطاعات التوظيف فيما يمكن أن يحصل عليه الطالب في سنته الأخيرة من تأهيل نظري أو عملي يمكن أن يفتح له الباب كي يبدأ في ممارسة العمل في مجال تخصصه حال حصوله على الفرصة الوظيفية. نجد الخريج في كثير من التخصصات يحمل في يده الشهادة العليا فرحا مسرورا بعد سنوات من الجلوس على مقاعد الدراسة ولكن ما أن يطرق باب التوظيف بحثا عن مقعد من نوع آخر إلا ويجد الباب مغلقا حيث لا تأهيل ولا خبرات. في مثل هذه الحالات إلى من نوجه أصابع الاتهام؟ هل نحمّل المؤسسات الأكاديمية المسؤولية كاملة؟ أم نقول إنها مسؤولية مشتركة بينها وبين من يبحث عن خريجين ليوظفهم؟ في اعتقادي أنها مسؤولية مشتركة طال الانتظار في سبيل تحديد إطارها العام والعمل على إيجاد رؤية مشتركة وخطوات عملية تضيق الفجوة وتحقق الفائدة، وهذا أمر ليس بالصعب متى ما توفرت النية والرغبة الأكيدة. هناك من يشكك في مخرجات تعاون القطاعات مع الجامعات ويقول إن الأمور يغلب عليها جانب المجاملات، وإن كل متدرب سيحصل في النهاية على شهادة حضور وتطبيق وتدريب وإن لم يفعل ذلك. إن حصل ذلك فهي لا تعدو كونها حالات محدودة لا يجب القياس عليها وتعميمها وأخذها حجة في التراخي. ونحن هنا لا ننفي وجود بعض الصعوبات لدى المتدربين وإنه لا بد من الحصول على وسيلة لتذليلها. إحداهن حدثتني بأنها لا تزال تجد صعوبة في الحصول على جهة يمكن أن تطبق لديها مرحلة ما قبل التخرج في مجال المحاسبة. نسبة كبيرة من الجهات الحكومية والخاصة لا توفر الخصوصية للمرأة في هذا المجال، والنتيجة تعثر الطالبة أو تأخر تخرجها أو أن تضطر للعمل في بيئة لا يمكن أن توفر لها الخصوصية والجو المناسب للتطبيق، وفي النهاية نزف لسوق العمل فتاة جامعية متخصصة في المحاسبة وهي تعاني من علة التطبيق العملي. هذا مثال وهناك بدون شك أمثلة أخرى وفي تخصصات متعددة. نحن هنا نحتاج إلى تنظيم وتنسيق بين جامعاتنا والجهات الأخرى المعنية بالتوظيف كي نصل إلى صيغة مقبولة من التعليم والتدريب والتطبيق، وألا يكون حامل أو حاملة الشهادة لا تتعدى حدود المعرفة لديهما ما تلقياه على مقاعد الدراسة، وهي مقاعد تختلف كثيرا عن مقاعد العمل الفعلية.
مشاركة :