الشارقة: علاء الدين محمود تواصلت عروض الدورة الخامسة من «الشارقة الصحراوي»، الذي تنظمه إدارة المسرح بدائرة الثقافة بالشارقة في منطقة «الكهيف» بعرضين كويتي «الأصاخيب»، لفرقة المسرح الشعبي، من تأليف الكاتبة فلول الفيلكاوي، وإخراج محمد الشطي، وموريتاني «ليالي لعزيب»، لجمعية دور المسرح للتكوين والإنتاج الفني، تأليف وإخراج التقي سعيد. وجاءت «الأصاخيب»، في فكرتها ومعالجتها الإخراجية مستلهمة لفكرة المهرجان، فقد استطاع مخرجها أن يصنع أجواء فرجة تتناسب مع جمهور عرض صحراوي، وحمل العمل عدة مشاهد تحكي قصصاً متفرقة تدور حول قضايا اجتماعية تتعلق بالعادات والتقاليد في البيئة العربية، ليكون الراوي هو الصوت الناظم لتلك الحكايات المبعثرة والمأساوية التي جرت في مكان واحد. والعمل يحاكي واقعة مأساوية صادمة شهدتها الكويت عام 1830، رافقت انتشار مرض الطاعون في المنطقة، عبر سلسلة من القصص المستلهمة من وقائع تلك الأيام المهلكة التي أفقدت المجتمع نصف سكانه، سواء في «سور الدروازة»، أم في البادية الكويتية، وقد عرف العام الذي حمل ذلك الداء بسنة الطاعون، حيث عم المرض شبه الجزيرة العربية ثم انتقل إلى الكويت، وتوفي الكثير من السكان وكانت غالبية الضحايا من النساء والأطفال. «لا فكاك من القدر»، تلك هي مقولة العمل الأساسية التي نهض عليها البناء الدرامي والحبكة المسرحية، حيث يغوص العرض عميقاً فيكشف عن جوانب مظلمة بسبب العادات والتقاليد وسيادة القيم الذكورية، ويصوغ كل تلك المحكيات في لوحات درامية، فهنالك قصة الحب التي رددتها الصحراء وجمعت بين سعود وسمية، كانت الرابطة العاطفية بينهما أقوى من أن تفرقها قيم المجتمع، لكن الطاعون اللعين أودى بحياة سعود، فكتب نهاية حكاية العشق العذري بينهما، وهناك سالم الذي كان يلوم زوجته التي لا تنجب غير البنات، ويغضب من مناداة الأهل له بلقب «أبو البنات»، فيذهب بعيداً وكله أمل أن يعود فتبشره زوجته بالذكر، ولكن القدر بالمرصاد فعند عودته يجد أن الطاعون قد أتى على البنتين الاثنتين، فيهيم في الطرقات وهو يصيح في ألم شديد: «أنا أبو البنات». تعامل المخرج مع العرض باقتراح حلول فنية تقنيات عبرت عن الحالات النفسية الصعبة، فكان استخدام عناصر السينوغرافيا على مستوى الحدث تماماً، وقد تفاعل الجمهور مع الأداء التمثيلي كثيراً. وفي المسامرة النقدية للعرض، تمت الإشادة بمخرج العمل ونجاحه في شغل كل فراغات المسرح، وتحقيق متطلبات الفرجة المسرحية. أما عرض «ليالي لعزيب»، فسلط الضوء على قيم الثقافة الموريتانية في الصحراء، وعالج بعض الصراعات بين القبائل، من خلال قصة قبيلتين هما: «لماحين» و«الدواشر»، التي تشاء الظروف أن تتباعدا لسنين طويلة، ومع مرور الوقت تنشأ علاقة جديدة بين أهالي العشيرتين، ويتطور الأمر إلى حدّ أن يفكر ابن زعيم قبيلة «لماحين» بطلب يد ابنة زعيم قبيلة «الدواشر»، وحين يصل الخبر إلى زعيم قبيلة«الدواشر»، يشرع في التقصي عن جذور القبيلة التي جاورته أخيراً، فيتوقف عند ذكرى ثأر قديم بين القبيلتين؛ فينشأ صراع جديد بينهما، ويكاد الأمر أن يتحول إلى حرب لولا تدخل العقلاء الذين عملوا على عقد الصلح بين القبيلتين. وقد عالج العرض جملة من القضايا في سياق انتقاده اللاذع لبعض القيم القبلية، لعل من أبرزها وضعية النساء في المجتمع القبلي، حيث أظهر الهيمنة الذكورية، فالنساء في العرض لا يقطعن في أمر إلاّ إذا عدن للرجال من أزواجهن أو آبائهن، وبالتالي، فإن العرض يأخذ قيمته من هذه الحمولة النقدية الكبيرة التي حفل بها.
مشاركة :