رغم المؤشرات الظاهرية، بأنها على وشك إنهاء عام 2019 بقوة، إلا أن الكثير من المحللين يشيرون إلى أن الأسواق الصاعدة تواجه عديدا من المخاطر، بداية من تداعيات الحرب التجارية، ومرورا بتباطؤ النمو، وانتهاء بتأثير الانتخابات الأمريكية المحتمل على الأسواق العالمية. وبالإضافة إلى هذه المخاطر، هناك المشكلات، التي تواجه كل دولة على حدة، مثل ارتفاع وتيرة الإفلاس في سوق السندات المحلية الصينية وتباطؤ النمو الاقتصادي في الهند، واشتداد حدة أزمة نقص الكهرباء في جنوب إفريقيا. وتشير وكالة "بلومبيرج" للأنباء إلى وجود عدة تصورات متباينة بشأن آفاق الأسواق الصاعدة، التي تمثل نحو 60 في المائة من الاقتصاد العالمي، وهو ما يجسده التباين في النظرة المستقبلية لهذه الأسواق، فمجموعة "يو.بي.إس" المصرفية السويسرية ترى أن الأصول الأعلى مخاطرة في الأسواق الصاعدة ستحقق عائدات بسيطة خلال 2020، في حين يقدم بنكا الاستثمار الأمريكيان "جولدمان ساكس" و"جيه. بي مورجان تشيس"، صورة أكثر إشراقا لأسواق الأسهم في الدول النامية خلال العام المقبل، حيث يرى بنك "مورجان ستانلي" أن سندات الأسواق الصاعدة مرشحة للارتفاع خلال العام المقبل. وبحسب "الألمانية"، زادت قيمة أسواق الأسهم في العالم على مدار العام الجاري بنحو ثلاثة تريليونات دولار، فيما تراجعت تقلبات أسعار العملة إلى أقل مستوياتها خلال خمسة أعوام، كما انخفضت الفوارق بين العائد على السندات إلى أقل مستوى لها منذ نحو ثلاثة أعوام. ويعتقد ديفيد وو، المحلل الاقتصادي في "بنك أوف أمريكا"، الذي قال قبل عام إنه غير متحمس للتعامل في الأسواق الصاعدة ولو بأقل قدر، إن "الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين ومصير قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست" سيطرا على الأسواق وقادا حركتها خلال 2019، لكن العام الجديد سيدور حول تبديد حالة الغموض المحيطة بالسياسات، وهو ما سيؤدي إلى زيادة النمو العالمي عبر نمو الطلب مع اتجاه الشركات نحو إعادة بناء مخزوناتها واستئناف الإنفاق الاستثماري". ويشدد بنك "إتش.إس.بي.سي هولدنجز" البريطاني، الذي كان يتبنى نظرة متفائلة بشأن 2019 في وقت سابق، على أن القادم سيكون أصعب. ويرى محللو البنك، وبينهم بول ماكيل، وجو وانج، المقيمان في هونج كونج أنه "مع التقدم نحو 2020، لا تمضي الأوضاع في اتجاه واحد بالنسبة لعملات الأسواق الصاعدة بحيث تشكل حالة تعاف واسعة النطاق .. سيكون عاما آخر مخيبا للآمال". وكما كان الحال في العام الحالي، فسيتابع المستثمرون في الأسواق الصاعدة كيفية تطور العلاقات بين الولايات المتحدة والصين خلال العام الجديد، في ظل شكوك كثيرة حول إمكانية أن يؤدي اتفاق "المرحلة 1" الذي تم الإعلان عنه الشهر الحالي إلى تقدم كبير بشأن المشكلات الأكثر عمقا بين البلدين، مثل الاستياء الأمريكي من شبكة الدعم الصناعي الضخمة التي توفرها بكين للشركات الصينية. ومن شأن أي إشارة إلى تزايد التوتر بين البلدين، أن تؤثر سلبا في الأصول المالية في الدول النامية، وليس على اليوان الصيني فقط. ويقول "بنك أوف أمريكا" إن "نتيجة الحرب التجارية الأمريكية الصينية أساسية بالنسبة للنظرة المستقبلية للأسواق الصاعدة في 2020". وأنعش جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياط الاتحادي (البنك المركزي) الأمريكي، أصول الأسواق الصاعدة الأسبوع الماضي عندما ألمح إلى اعتزام المجلس وقف الزيادة في أسعار الفائدة الأمريكية حتى 2021، على الأقل. وإذا حدث هذا بالفعل، فإن الدولار لن يسجل ارتفاعا، كما أنه سيضمن استمرار تدفق رؤوس الأموال إلى الأسواق الصاعدة. في المقابل، إذا ارتفعت معدلات التضخم على نحو غير متوقع، فقد يضطر مجلس الاحتياط والبنوك المركزية الرئيسة في العالم إلى زيادة أسعار الفائدة، وتقليص الفارق في العائد على سندات الدول المتقدمة والصاعدة، فالمستثمرون يحصلون على عائد إضافي عندما يشترون سندات دولارية تصدرها الدول الصاعدة بدلا من سندات الخزانة الأمريكية. وبحسب بيانات بنك "جيه.بي مورجان"، انخفضت السندات الأمريكية إلى أقل مستوياتها منذ نيسان (أبريل) 2018، ليقل الفارق في العائد على سندات الدول الصاعدة والسندات الأمريكية إلى أقل من 300 نقطة أساس خلال الشهر الحالي. ويعتقد صندوق النقد الدولي أن الاقتصادات الصاعدة ستحقق معدل نمو يصل إلى 4.6 في المائة خلال العام المقبل، أي نحو ثلاثة أمثال معدل نمو الاقتصادات المتقدمة، وسيضر تباطؤ النمو في الصين والهند، بالاقتصادات الصاعدة ككل، بحسب تقديرات بنك "سيتي جروب" الأمريكي. ويقول المحللان ديفيد لوبين في لندن، وديرك ويللر في نيويورك إن "معدلات النمو المحتملة للأسواق الصاعدة تتراجع .. ويثير هذا أسئلة بشأن أسعار الأصول، وبخاصة العملات الأجنبية". في المقابل، يتوقع بنك "جولدمان ساكس" أن يكون لدى البرازيل والمكسيك وروسيا وجنوب إفريقيا ودول أخرى صاعدة مساحة للحركة على صعيد تخفيف السياسة النقدية، على المدى القصير على الأقل، لتعزيز النمو وهو ما يمثل نبأ سارا بالنسبة للأسواق الصاعدة ككل. ويضيف بنك الاستثمار الأمريكي أن هذا الأمر سيعزز مكاسب الشركات، وسيساعد الأوراق المالية الصاعدة في تحقيق عائد للمستثمرين يصل إلى 11 في المائة خلال 2020. ويشير محللو "جولدمان ساكس"، وبينهم أندرو تيلتون، إلى أنه "يمكن لعديد من البنوك المركزية في الأسواق الصاعدة، خفض الفائدة مجددا خلال الشهور المقبلة، رغم أن عدد البنوك المستعدة للخفض سيتراجع بمرور الوقت". وربما تستمر ظاهرة البحث عن عائدات أعلى خلال العام المقبل، وبخاصة مع استمرار الفائدة المنخفضة في الاقتصادات المتقدمة، ولكن تراجع العائد على السندات بالعملة المحلية خلال العام الحالي، يعني احتمال تراجع جاذبية الأسواق الصاعدة لرؤوس الأموال الساخنة سريعة الحركة. وهبط متوسط سعر العائد على السندات المحلية في الدول النامية إلى 4.2 في المائة، وهو أقل مستوى له منذ أكثر من عشرة أعوام، بحسب "مؤشرات بلومبيرج باركليز". وعلى الرغم من ذلك، يؤكد محللو بنك "سوسيتيه جنرال" الفرنسي أن المستثمرين ما زالوا يراهنون على الأموال الساخنة للاستثمار في بعض العملات الأعلى مخاطرة. ويمكن أن تترك الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشح الحزب الديمقراطي لخوض انتخابات الرئاسة الأمريكية المقررة يوم 3 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، أثرها في الأسواق العالمية، حيث يرى أغلب المحللين أن الوقت لا يزال مبكرا للغاية على القول ما إذا كانت أصول الأسواق الصاعدة ستستفيد من إعادة انتخاب دونالد ترمب لولاية ثانية، أو من فوز مرشح آخر. ويتساءل محللو "سوسيتيه جنرال"، وبينهم جاسون داو في سنغافورة: "هل سيكون فوز ترمب بولاية رئاسية ثانية، أو فوز مرشح ديمقراطي، بالرئاسة نبأ جيدا أو سيئا للأسواق المالية؟، سيظل هذا السؤال مفتوحا، ولكن سيكون هناك تأثير على السياسة الاقتصادية أو الثقة قبل وبعد الانتخابات".
مشاركة :