تأملات في آيات القرآن الكريم (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا)

  • 12/28/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في المقالين السابقين تحدثنا عن الآليات التي يعمل بها القلب، والتي توضح تكامله مع المخ (Brain) وارتباطه به ارتباطا وثيقا في عمليات خزن المعلومات والتعلم وتذكية النفس، وقد كشف العلم الحديث عن أربعة آليات يعمل بها القلب، وتحدثنا عن آليتين من هذه الآليات وهي الآلية العصبية والتي عن طريقها يرسل مخ القلب (Heart Brain) إلى المخ (Brain) الإشارات الكهربية الفعالة والإرسالات العصبية التي تحمل مجموعة من الأوامر، والآلية الهرمونية، التي تحمل الرسائل إلى المخ عبر الهرمونات التي تتحكم في كثير من وظائف الجسم الإنساني. أما الآلية الثالثة من آليات عمل القلب، فهي الآلية الدموية، وهى الأقدم والأشهر في آليات عمل القلب، ومعروف أن الدم هو إكسير الحياة لكل خلية من خلايا الجسم، فهو الذي يحمل الغذاء والأكسجين والأجسام المناعية والهرمونات إلى أجزاء الجسم المختلفة. ويدفع القلب الدم إلى جميع أجزاء الجسم بما فيها المخ، الذي لا يستغنى عن الأكسجين أكثر من خمس ثوان. ويتم الدفع عن طريق الانقباض والانبساط، ومن الناحية الطبية لا يعرف حتى الآن مصدر هذه الحركة لعضلة القلب، والتي توصف بأنها خاصية ذاتية (Endogenous)، والدليل على ذلك أن القلب يستمر في الحركة حتى بعد فصله عن كل الأعصاب والأوعية الدموية، كما في عمليات القلب المفتوح، ويذكر لنا طبيب القلب والباحث في هيئة الإعجاز العلمي الدكتور فؤاد يحيى أن زمن النبضة الواحدة حوالي ثانية، وزمن تبادل المكونات والغذاء بين الدم والخلايا عند مستوى الشعيرات الدموية هي ثانية واحدة أيضا، ومن هنا يمكن القول بأن كل نبضة هي عبارة عن دفقه غذائية وميكانيكية ومناعية لكل خلية من خلايا الجسم وخاصة المخ. وقد لاحظ العلماء أن معدل نبضات القلب يتغير تبعًا للحالة النفسية والعاطفية للإنسان، ويؤكد الدكتور (J.Andrew Armour) أن هناك دماغًا شديد التعقيد موجودا في القلب، وداخل كل خلية من خلايا القلب، ففي القلب أكثر من أربعين ألف خلية عصبية تعمل بدقة فائقة على تنظيم معدل ضربات القلب وإفراز الهرمونات وتخزين المعلومات ثم يتم إرسال المعلومات إلى الدماغ (المخ)، وهذه المعلومات تلعب دورًا مهمًا في الفهم والإدراك، فالمعلومات تتدفق من القلب إلى ساق الدماغ عبر ممرات خاصة، وتقوم بتوجيه خلايا الدماغ لتتمكن من الفهم والاستيعاب. ولذلك فإن بعض العلماء اليوم يقومون بإنشاء مراكز تهتم بدراسة العلاقة بين القلب والدماغ، وعلاقة القلب بالعمليات النفسية والإدراكية، بعدما أدركوا الدور الكبير للقلب في التفكير والإبداع. ونأتي إلى الآلية الأخيرة من آليات عمل القلب وهى الآلية الكهرومغناطيسية، حيث نجد أن التجارب العلمية التي جاءت نتيجة لأبحاث العالم (Mc Craty) وزملائه بمعهد رياضيات القلب (IHM) في كاليفورنيا - نقلا عن الدكتور الباحث فؤاد يحي - قد أثبتت أن قوة المجال الكهرومغناطيسي المنبعث من القلب تبلغ 5 آلاف ضعف المجال المنبعث من المخ، الذي يمتد إلى مسافة 10 أقدام على شكل دائرة حول الجسم، في حين أن المجال الكهرومغناطيسي للقلب يبلغ 60 ضعفا عن مثيله بالمخ. وبناء على قواعد علم الفيزياء، يكون القلب هو العضو الذي له اليد العليا في السيطرة على باقي أعضاء جسم الإنسان وليس المخ..! ولهذا أطلق مفهوم القلب المتناغم (Coherent Heart) لأول مرة بواسطة العالم (Mc Craty) عام 1995م، وهو القلب المتحكم في أعضاء الجسم والبعيد عن التوتر، حيث تهدأ نبضاته إلى 60 نبضة في الدقيقة، وتتميز بالانتظام في زمن كل نبضة، ويعتبر التعريف الأكثر شيوعا لمفهوم القلب المتناغم، هو حدوث حالة من التوافق والتقارب بين موجات القلب المتناغم وبين الموجات الكهرومغناطيسية لأعضاء الجسم (خاصة المخ)، وبذلك نحصل على أفضل أداء جسماني من ناحية، وعقلي (قلب + مخ) من ناحية أخرى، وتعتبر عمليات التأمل أو الاسترخاء أو الصلوات من وسائل اكتساب حالة القلب المتناغم، ومن هنا كان الاعجاز العلمي للآية الكريمة (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد 28). ويمكن القول بأن التعبير العلمي (القلب المتناغم)، يرادف التعبير القرآني (القلب المطمئن). وبعد هذا العرض عن وظائف القلب العقلية، يمكن الزعم بأن العلاقة التبادلية والتشاورية المستمرة بين القلب والمخ، يمكن إرجاعها لعلاقة الجوار في بداية الحياة الجنينية، حيث تقع الخلايا الأولية المكونة للقلب أعلى الخلايا الأولية التي ستكون المخ، وذلك في اليوم التاسع عشر من حياة الجنين. ثم تبدأ الخلايا القلبية في الاندماج والنزول تدريجيا إلى الصدر مكونة القلب، ويحافظ القلب على اتصاله بالمخ عن طريق الأعصاب والأوعية الدموية والتوافق الهرموني والكهربائي، وتظل العلاقة بينهما طوال العمر مكونة جوهر الإنسان. هذه هي حقيقة القلب من الناحية العلمية، وهى تتوافق تماما مع الحقائق القرآنية، فالقلب هو الأساس الأول في النواحي المعرفية، وهو الغدة المايسترو في النواحي الهرمونية، والمضخة الأساسية في الدورة الدموية، والمولد الأقوى في المجالات الكهرومغناطيسية. ومن كل ما سبق، يمكن إدراك وفهم حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم بطريقة أكثر عمقا عندما قال: (ألا إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهى القلب). وأيضا ندرك ونعقل تماما قول المولى جل وعلا في محكم آياته (إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) (ص87 -88). (صدق الله العظيم).

مشاركة :