قلت للصديق الذي حاورني وهو يسوق بتعجب ما بررت به "داعش" تفجيرها الجبان في مسجد الإمام علي رضي الله عنه في قرية القديح: "دعك من تلك التبريرات الواهية، التي غلفتها تلكم القيادات المخترقة بأدلة شرعية، إذ لو كانوا صادقين لتحولوا لإيران، وفجروا فيها وهم على تماس مباشر معها، لا أن يأتوا لحسينية في قرية وادعة، أهلها مسالمون ولم يعرف عنهم أي نزوع طائفي". بعد أن اتحد الوطن جميعا في حادثة "الدالوة" بالأحساء، وفوت على ذلك التنظيم المتطرف ما أراده وخطط له من ضرب للوحدة الوطنية، وإشغال المجتمع السعودي بأتون حرب طائفية، تمزق النسيج الاجتماعي، لم يستسلم ذلك التنظيم -ومن يخطط له- وأعاد الكرّة مرة أخرى. ويقينا عندي أن إيران تخطط معهم، وتقدم التسهيلات اللوجستية لهم، فدوما هناك قاعدة مسلمة في أية جريمة: "ابحث عن المستفيد"!! ما قامت به قيادتنا السعودية من إيقاف للمد الإيراني في المنطقة، وخنقه في اليمن، وتقهقره في سورية، هو برأيي الخاص من أسباب محاولة نقل المعركة إلى داخل السعودية، كي ننشغل عن تلكم الجبهات التي نحقق فيها نصرا لشعوبها المضطهدة. يؤكد هذه الرؤية ما ذكر في تقرير شبكة "بلومبرج" الإخبارية الأميركية عن التفجير الانتحاري أن الهدف منه هو إشعال العنف والتوترات الطائفية في المملكة، وأن التفجير جاء في الوقت الذي تقود فيه المملكة العربية السعودية تحالفا ضد معاقل الحوثيين في اليمن التي طالما وصفتها الرياض بأنها أدوات لتنفيذ مخطط إيراني أوسع في المنطقة. من سخف القول ما يستشهد به ذلك التنظيم الذي جاء في بيانه أن ما فعله هو من صميم الجهاد في سبيل الله، فلا أقل من تهافت بيانهم أن أحد منظري "القاعدة" -ذلك التنظيم الإرهابي الآخر- الذين كانوا يستمعون لهم؛ يفند ذلك البيان. أبو محمد المقدسي منظّر تنظيم "القاعدة" الشهير يغرد في موقعه بـ"تويتر" معلقا على الحادثة: "تفجير النفس بمسجد رواده غير مسلحين لا تنطبق عليه شروط العمليات الاستشهادية ولا يتبناه إلا من يسترخص أرواح أتباعه من الشباب". وأوضح أنه: "من شروط من أجاز تفجير النفس بالعدو أن تكون المفسدة المدفوعة بذلك قطعية ضرورية كلية لا تندفع إلا بهذا النوع من العمليات والمستهتر بدماء الشباب يهملها". وختم المقدسي منظر تنظيم القاعدة الإرهابي تغريداته بأن شباب تنظيم الدولة تفكيرهم سطحي، ولا يفقهون من الدين شيئا. بالتأكيد أنهم سطحيون ليس في الدين فقط، بل في السياسة التي حولتهم إلى أدوات بيد الصفوي ليضرب بهم أوطانهم، مستغلا سذاجتهم للأسف الشديد. نداء إلى قيادات طائفة إخوتنا الشيعة بالتهدئة والانتباه لما يريده أعداء الوطن، فإن قتل منهم اليوم 21 مواطنا، فقد قتل من إخوتهم السنة أضعاف أضعاف هذا العدد، والقضية أنهم يريدونها فتنة طائفية، والتي لن يستفيد منها أحد سوى أولئك المتطرفين وكارهي وحدتنا الوطنية، والدور عليهم كبير في تهدئة المكلومين من ذوي شهداء الوطن، لأن ما رأيناه في اليوم الذي تلا الحادثة لا ينبئ إلا بتحقيق ما تريده إيران الصفوية والدواعش. نداء آخر لزملائنا من الكتبة الإعلاميين و"بعض الدعاة" أن توقفوا عن التجييش الطائفي، فالوقت يحتاج إلى تهدئة، لا أن تقوموا بمسايرة التشنج الذي يحصل، والنفخ في النار بتوزيع اتهامات تجاه دعاة وعلماء وفضائيات، بل المنطق يقول بالتهدئة أولا، ثم إعادة تقييم المسألة الطائفية في بلادنا. الوقت اليوم وقت اصطفاف خلف ولي أمرنا ومليكنا سلمان بن عبدالعزيز، فلن يضيع حق لديه، وسنعبر بوحدتنا وتماسكنا هذه الأزمة.
مشاركة :