‮«بينالي‮ ‬الشارقة‮» ‬يعيد إنتاج كلاسيكيات الفنون

  • 6/1/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ينظر الكثير من المتابعين للفعل التشكيلي‮ ‬الذي‮ ‬يقدمه بينالي‮ ‬الشارقة للفنون في دورته الثانية عشرة والذي يختتم يوم ٥ يونيو/ حزيران الجاري،‮ ‬بأنه‮ ‬يأتي‮ ‬في‮ ‬سياق دعم المدارس الفنية المعاصرة،‮ ‬والحداثية،‮ ‬الخارجة عن كلاسيكيات الفنون التشكيلية،‮ ‬إذ‮ ‬يتوقف المتابعون عند الجانب الظاهر من الأعمال المشاركة ومرجعيات الفنانين الذين‮ ‬يعكسون جانباً‮ ‬من المشهد التشكيلي‮ ‬في‮ ‬البلدان التي‮ ‬يمثلونها‮.‬ ليس‮ ‬غريباً‮ ‬أن‮ ‬يأخذ البينالي‮ ‬هذا الطابع،‮ ‬إذ مقارنة بسائر الفعاليات والملتقيات التشكيلية القائمة في‮ ‬الحركة الفنية الإماراتية،‮ ‬يبدو البينالي‮ ‬منحازاً‮ ‬للفنون المعاصرة بكل تجلياتها،‮ ‬وتحولاتها،‮ ‬فيفتح بابه لمشاركات مغايرة متفلتة من قواعد العمل الفني‮ ‬المحصور بالقماش المشدود على الإطار،‮ ‬والورق‮.‬ ولا‮ ‬يأتي‮ ‬ذلك في‮ ‬سياق عبثي‮ ‬قائم على المغايرة والتجديد وحسب،‮ ‬إنما ضمن الرؤية التي‮ ‬يطرحها البينالي‮ ‬كل عام،‮ ‬والذي‮ ‬جاء هذا العام تحت شعار‬الماضي،‮ ‬الحاضر،‮ ‬الممكن‮‬،‮ ‬فنسج علاقة تاريخية على بوادر الفعل الحداثي‮ ‬قبل عقود ماضية،‮ ‬مشكلاً‮ ‬بذلك نظرة استشرافية لمتغيرات الفعل التشكيلي‮ ‬الجمالي‮.‬ في‮ ‬ظل هذا الفعل‮ ‬يجد المتابع الدقيق للأعمال المشاركة في‮ ‬البينالي‮ ‬الحالي،‮ ‬أو دوراته السابقة،‮ ‬أن العمل الفني،‮ ‬والفنانين بكل عبثيتهم وتحررهم،‮ ‬وانحيازهم إلى الذهنية وفلسفة العمل الفني،‮ ‬لم‮ ‬يستطيعوا الخروج تماماً‮ ‬من أصل العمل الفني‮ ‬المتمثل في‮ ‬جذوره بالخط،‮ ‬واللون،‮ ‬والتكوين‮.‬ هذا الجذر الذي‮ ‬يشكل أصل أي‮ ‬فعل بصري‮ ‬عرفته البشرية،‮ ‬هو الركيزة الأولى التي‮ ‬لم‮ ‬يستطع الفنان منذ مئات السنوات وحتى اليوم الانعتاق من سطوته،‮ ‬وما كل ما‮ ‬يجري‮ ‬من عمليات تغيير وتطور على الفعل الفني،‮ ‬إلا اشتغال على الإمكانات التي‮ ‬يمكن أن‮ ‬يوفرها كل من الخط،‮ ‬واللون،‮ ‬والتكوين‮.‬ تظهر تلك الملامح بأشكال عديدة وبوسائل متعددة،‮ ‬فمنها ما‮ ‬يقدم باللون على سطح القماش،‮ ‬ومنها ما‮ ‬يتحرك في‮ ‬الفيديو،‮ ‬ومنها ما‮ ‬يتشكل على الشاشة الإلكترونية،‮ ‬إضافة إلى المنحوتة،‮ ‬والشكل المعماري،‮ ‬ويحافظ على أصله عبر الخط،‮ ‬واللون،‮ ‬والتكوين،‮ ‬فصورة الرجل،‮ ‬أو الشجرة،‮ ‬أو البيت في‮ ‬فيديو فني،‮ ‬ليست سوى تنويع في‮ ‬استغلال جذر الفعل البصري،‮ ‬وكذلك الأمر فيما‮ ‬يتعلق بالأعمال التركيبية،‮ ‬والصور الفوتوغرافية،‮ ‬وغيرها من تقنيات إنتاج العمل الفني‮.‬ بالنظر إلى الأعمال المشاركة في‮ ‬البينالي‮ ‬لهذا العام،‮ ‬لا تبدو رهينة ذلك الجذر الأصيل وحسب،‮ ‬وإنما تستمد عناصرها من كلاسيكيات الفن التشكيلي‮ ‬بكل مراحله،‮ ‬ففي‮ ‬عمل الفنانة ليونور أنتونيس تستند الفنانة إلى الفنون والحرف اليدوية القديمة التي‮ ‬عرفتها الحضارات القديمة في‮ ‬إطارها الإنساني،‮ ‬إذ لا ترجع إلى تلك الفنون وتستفيد من تقنيات صناعتها وحسب،‮ ‬بل تستفيد من الأشكال التي‮ ‬كانت تقدمها،‮ ‬فتظهر في‮ ‬أعمالها زخارف هندسية تتشابه في‮ ‬تكوينها مع الزخرفة في‮ ‬الفنون الإسلامية القائمة على التكرار والشكل الدائري‮ ‬والرسوم الدقيقة‮.‬ كما‮ ‬ينكشف ملمح آخر في‮ ‬أعمال الفنان جاك ليرنر الذي‮ ‬طرح تجربة لافتة مشغولة بالعملات النقدية المصنوعة في‮ ‬مصفوفات حلزونية ودائرية متراصة،‮ ‬إذ لا‮ ‬يستفيد الفنان من رمزية الورقة النقدية والفكرة التي‮ ‬تتكرس في‮ ‬ذهنية المتلقي،‮ ‬ولا حتى‮ ‬يستفيد من شكلها المستطيل الرقيق،‮ ‬وحسب،‮ ‬وإنما‮ ‬يعود إلى جماليات الرسوم عليها‮.‬ وإذ‮ ‬يستفيد الفنان من تلك الرسوم والخطوط المزخرفة على الورقة النقدية فإنه في‮ ‬واقع الأمر‮ ‬يستفيد من مدارس الفن الواقعي‮ ‬الكلاسيكي،‮ ‬حيث تتبدى بورتريهات لرؤساء دول،‮ ‬ومعالم حضارية،‮ ‬ومعمارية،‮ ‬مشغولة بواقعية عالية،‮ ‬وكذلك تظهر النصوص المرسومة بخطوط كلاسيكية معروفة في‮ ‬عدد من اللغات،‮ ‬ذلك إضافة إلى الزخارف النباتية والهندسية التي‮ ‬ترتسم على أطراف الورقة النقدية‮.‬ إضافة لذلك لا‮ ‬يشكل العمل الفائز في‮ ‬جائزة البينالي‮‬متحف الزراعة العالمي‮‬الذي‮ ‬تقدمه الفنانة أسونسيون مولينوس‮ ‬غوردو،‮ ‬والتي‮ ‬حولت واحداً‮ ‬من المباني‮ ‬المهجورة المحاذي‮ ‬لميناء الشارقة،‮ ‬إلى متحف‮ ‬يعرض الخضر والمحاصيل التي‮ ‬تقدمها بلدان العالم،‮ ‬لا‮ ‬يشكل سوى عرض لسلة من تكوينات‮‬الطبيعة الصامتة‮التي‮ ‬تتماثل في‮ ‬أصلها مع الشكل الذي‮ ‬لطالما كان نموذجاً‮ ‬لتدريب الفنانين على نقل الطبيعة والتعامل مع الظل والنور‮.‬ في‮ ‬هذا العمل توزع الفنانة نماذج مصغرة بلاستيكية وورقية للفاكهة وللخضراوات،‮ ‬تتوزع في‮ ‬فضاء الغرفة،‮ ‬مصحوبة بنصوص وشروح،‮ ‬قائمة في‮ ‬إطارها على الجذر الجمالي‮ ‬للفعل التشكيلي‮ ‬بصورته الأصيلة‮.‬

مشاركة :