بَين فَترةٍ وأُخرَى، يَخرج عَلينَا أُدبَاء ومُنظّرون، مُطالبين بتَفريغ المُبدع مِن عَمله، ليَتفرَّغ للمُنجز الإبدَاعي، والفَن الذي يَهْوَاه ويُجيده، ويُحلّق فِيهِ..! مِن وجهة نَظر شَخصيّة؛ أنَا ضَد هَذا التَّفرُّغ، لأنَّ المُبدع -ومِن خِلال الوَاقِع- عِندَما يَتقَاعد، أو عِندَما يَبتعد عَن العَمل -لأي سَببٍ مِن الأسبَاب- فإنَّه لَا يُنجز شَيئًا يُميّزه عَن إبدَاعه أثنَاء فَترة العَمل.. وسأُعطيكم مَثلين يُؤكِّدان نَظريّتي القَائِلَة: بأنَّ المُبدع يَجب أنْ يَنْخَرط في العَمل، ولَا يَتفرَّغ للإبدَاع فَقط..! النَّموذج الأوّل هو الدكتور المُثمر «غازي القصيبي» -رَحمه الله-.. لقَد كَان طِيلة حيَاته وَزيرًا مَشغولًا، ومَع هَذا يُخرِج في كُلِّ سَنَة عَملًا أدبيًّا أو عَملين، في حِين أنَّ الفيلَسوف المُثمر «عبدالرحمن المعمّر»؛ مُتقَاعد مُنذ سَنوَاتٍ طَويلة، ومَازَالت كُلّ أفكَاره مَشروعات صَوتيّة؛ لَم تُكتب عَلى الوَرق، وللأمَانَة فهو الذي أَوْحَى لِي بهَذه الفِكرة، وطَلَب منِّي أنْ أستَشهد بِهِ وبالقُصيبي..! ونَظريّتي في رَفض تَفرُّغ المُبدع؛ كُنت أظنّها شَاذَّة، ولَكن عِندَما تَصفَّحت كِتَاب «مَعنَى الكَلَام» لأُستَاذنا الكَبير «أنيس منصور» -رَحمه الله-، وَجدتُ مَا يُوافق نَظريّتي، فالتَقت الآرَاء «الأنيسيّة» بالنَّظريّة «العَرفجيّة».. يَقول أَديبنا «أنيس منصور»: (مُنتَهَى أَمَل أي كَاتِب أو شَاعِر أو فَنَّان؛ أنْ تَتوفَّر لَهم العُزْلَة الإبدَاعيّة.. أي العُزْلَة التي تُساعده في الإبدَاع بهدُوء.. ولَكن بَعض المُبدعين يُفضّلون الضَّوضاء. فالفَيلسوف «سارتر» كَتَب رَوائعه في أَحَد المَقَاهي. وكَان شَاعرنا «كامل الشناوي» حَريصًا عَلى أنْ يَجمعنا حَوله، ويَتفرَّغ هو ليَكتب، كَأن لَا أَحَد هُنَاك)..! إنَّ الإبدَاع يَتطلَّب الاحتكَاك بالنَّاس، والتَّعايش مَعهم، وسَمَاع مُشكلاتهم، ولَنَا في ذَلك أُسوةً حَسنة بالرَّوائي «النوبلي» الكَبير «نجيب محفوظ»، الذي انطَلَق بروَايَاته إلَى العَالميّة، مِن زُقَاق المَدق والحَرافيش وأَولَاد حَارتنا..! حَسنًا.. مَاذا بَقي؟! بَقي أنَّ تَفريغ المُبدعين مِن أعمَالهم؛ حِيلَة جَديدة مِن حِيَل بَعض الأُدبَاء للاستفَادَة مِن الرَّواتِب؛ دُون الالتفَات إلَى الإنتَاج الفِعْلِي..!!! تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com