ناصر خليفة يكتب: المعادن الأصيلة لا تأكلها النار

  • 2/27/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

الناس معادن والمعادن قابلة للصدأ، بعضها يصدأ ويتآكل كليًا وبعضها يصدأ جزئيًا، حسب المواقف والظروف والأحوال، بينما المعادن الأصيلة --التي لا تتأكد أصالتها إلا عندما تُجلى بالنار حتى تُزال عنها الشوائب التي عَلَقَت بها -- فتبقى أصيلة مدى الحياة .. كذلك الإنسان الأصيل يظهر معدنه الطيب في المِحن والمواقف الصعبة والشديدة الصعوبة ..- صحيح إن حياتنا حِملٌ ثقيل، و"دنيانا" ليست في كل أحوالها معنا، وكذلك ليست دائما علينا، لكن كثيرًا ما تُبهرنا من الحياة بعض الأشياء حتى ولو كان لمعانها وبريقها زيف وسراب، وقليل منا الذي يرى الأشياء بقلبه وروحه وعقله وبصيرته ، وهذا هو صاحب المعدن الجيد الأصيل، الذي لا تأكله حرارة الحياة ولا غدر البشر ..-- ما زالت الدنيا تحمل من الأسرار ما عجزت عن إدراكها عقول البشر بما في عقولنا من عجز وقصور وتقصير -طوعا أو قسرا-، فبعضُنا يُقنع نفسه أنه على الطريق الصحيح حتى ولو أن المنطق والواقع يؤكد أن طريقه ليس الطريق السوي ولا هو على المنهج الصحيح، وبعضُنا يرى الحقيقة بعقله وفكره لكن يظل يصارع طواحين الجهل والرجعية دون جدوى !وتبقى الأنانية وعشق الذات عنوانًا كبيرًا للغالبية العظمى، حتى أصبحت الأفكار الشيطانية سلعًا تُباع وتُشترى، صفقات تتبَعُها صفقات، وفي كل لحظة يعزف معها المسُوقون والمروجون ألحانًا على أوتار هَشة في مجتمع هَش، مجتمع كادت أن تتآكل قواعد أخلاقه ومبادئه "إن لم تكن تآكلت بالفعل " .-- قليل من تجده يرضى ويَقنع، وقليل من تجده يهدأ ويفكر ويعقِل ! وقليل من تجده يشعر بالآخر، وقليل من يُخلص للغير إخلاصًا تامًا ! ثم قليل للغاية من يُدرك أنه مجرد ضيف شرف على بساط تلك الحياة المؤقته والمحددة سلفا..-- ليس مطلوبًا منك غير أن تكون إنسانًا طبيعيًا، فليس فينا من هو ملاك خالص ولا شيطان رجيم .. بل فينا الشر وفينا الخير في نفس ذات النفس الواحدة، نحن بشر من جنس آدم الذى أخطأ وغُفر له، آدم الذي سجدت له الملائكة رغم علمهم بأنه سيُفْسِدُ فِي الأرض وَسيَسْفِكُ الدماء ! وهم الذين يسبحون بحمد ربهم ويقدسون له !، الله يعلم أننا سنكون كما قال عنا الملائكة، ولم ينف عنا اتهام الملائكة فقط قال: {إني أعلم ما لا تعلمون} ثم أدخَل آدم الجنةَ ليختبر عزمَه، فلم يجد له عزما !، فأُهبطه للأرض ليكمل مهمة الخلافة على الأرض، ثم يعود إليه آجلا أو عاجلا -فرادى وجماعات- هذه حقيقة ثابتة لدى جميع من يؤمن بها ..-- في الواقع مهما حاولت إقناع نفسك بأن الآخر يستوعب ألمك، ويشعر بك وبهَمك فإنك تقنع نفسك بشيء مستحيل لأن الحقيقة والواقع يؤكد أن لا أحد يشعر بما أنت تشعر به، قليل من يُفتش في أسباب ألمك أو يَربِت على كتفك، أو يٌداوي جرحك أو يشاركك أوجاعك، أو أن يصل لمدى ما تشعر به ! لذا عليك أن تكتفي منهم -وهو أقصى ما لديهم- بكلمة أنا أشعر بك، أنا أحس بما أنت فيه ! ثم يكفيك من أغلب البشر خيرًا أن يقول لك أحدُهم :"ربنا يعينك" ثم يرحل عنك!، فلم يكن في ذهنه سوى ما أهمه من الأحداث التي أَلَمَت به هو فقط ! فلا تعول "كثيرا" على إخلاص البشر، فقط تَخَير منهم من تصاحب، تخير من تثق به وبدقة، وكلنا بشر والحياة أعظم مختبر .. والناس معادن والأيام دُوَل .. ولله في خَلقِه شؤون .. والناس معادن وطباع .. أفكارهم هي نتاج ما تعلق في نفوسهم، إن كان خيرا فخير، وإن كان غير ذلك فغير ذلك ! فأفكارهم وتصرفاتهم وكلامهم خير دليل على ما يبطنون،،، وكما يقولون : "المرءُ مخبوءٌ تحت لسانِه" ..

مشاركة :