«لا تشكي على من يبكي» - نجوى هاشم

  • 6/9/2015
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

لا تتخيل أنك الوحيد على هذا الكوكب الذي يعاني..! ولا تعتقد أنك الشخص الوحيد الذي يطارده الألم..! ولا تتصور أنك الوحيد الذي استكانت الهموم بجانبه.. وتعودت أن تُوقع به..! ولا تحاول أن تُقنع نفسك بأنك الوحيد الذي اعتادت الرياح أن تهبّ عليه بعواصفها الساخنة.. وتبعثر أوراقه..! ولا تفكر أنّ الأيام هي من اعتاد أن يسرق من رصيدك في الحياة وينال منه.. ويتركك خالياً من الأفراح..! تعيش كل لحظات عمرك وأنت تحتمي بداخلك الذي يدفعك ليس لاحتواء الأحداث الموجعة ولكن للمزايدة عليها وطرحها كأحداث أحادية وفردية لم تصل إلى غيرك ولم يكتوِ بها أحد دونك..! الأرض أرضك كما هي أرضهم والمكان مكانك كما هي أمكنتهم لكن الوجع وجعك كما هي أوجاعهم.. والهموم تندس في شرايينك كما هي تسبح في أعصابهم..! يقترب منك أحدهم متألماً وقبل أن يحكي تفاجئه بضربة استباقية قاسية.. معلناً عليه البداية من الشكوى والتذمر.. فاتحاً دفاتر ألمك والتي تلجمه ولايعاود الحديث عما يؤلمه.. أو يشعر به.. هل لأنك استبقت تشريح وجعك؟ أم لأنه عزّ عليه أن يتحدث معك عن أوجاعه في الوقت الذي أغرقته أنت بوجعك؟ زمان كنت أسمع سيدة كبيرة تقول لأخرى بهدوء ووجع ينسكب من كلماتها "لاتشكي على من يبكي".. وعندما كنت أتأمل وجهي المرأتين أتوقف بعدم وعي أمام وجه كل منهما وهو ينزف الألم الصامت ويتحصن بالوجع وكأنه السور الأخير الذي يحميه من الموت ومغادرة الحياة.. وكنت ألتقط مفردة "فلانة اللي فيها يكفيها".. أو اللي عندها يكفي ويفيض.. عندما تحاول واحدة أن تحدثها في شيء مؤلم وموجع فتقال لها العبارة السابقة.. بمعنى أنها لاتتحمل ما تريد أن تقوله لها لأنها مكبلة بأوجاعها.. وغارقة في همومها.. وتقيم دوماً في الضفة المقابلة للفرح.. وكأنها كُتبت عليها.. معسكرها الدائم أحزانها.. وأوراق دفاعها دموعها.. وانتكاستها تكون استكمالا لانتكاسات سابقة..! يتألم البعض ولكنهم يبدون أصلب عوداً وأقوى إحساساً.. وأكثر تحملا ً.. قد لا يظهر عليهم الألم ولكن للمقربين منهم يستشعرونه ويلامسونه ويعرفون مواضعه.. حتى وإن لم يعلنوا عنه.. عقلاء في أوجاعهم .. تأسرهم مشاعر التخفي فيذوبون داخلها.. ويحتمون بها.. يخسرون كل أوراق الحياة ومع ذلك يحتفظون بالورقة الأخيرة وكأنها هي الحياة.. يقاومون الضغوط وقسوتها تارة بالهروب .. وتارة بالتنازل المجاني.. وتارة بالسكتة التي تسرق وهج الزمن وتغيّب الأمل.. ومع ذلك يعيشون داخل مناطقهم الإنسانية العازلة بهدوء وانتظار ليوم أفضل وثقة بأنّ رب العالمين سيفتحها من أوسع الأبواب فلا حزن يظل ولا فرح يستمر.. مثل هؤلاء لم تسمعهم مرة يشتكون أو يتألمون أو يرمون على الآخر.. فقط اختارهم الألم واحتضنهم وامتحن أيامهم دون أي مساحة للنقض أو استعجال الحكم في القضية..! على الجانب الآخر فمن يتخيلون أنهم الوحيدون من اختارتهم الخيبات.. والوحيدون الذين تجرعوا سموم الحياة.. وخاضوا حروبا يومية معتقدين أنه لم يخضها غيرهم.. وهم فقط من داهمهم الخريف دون أن يستعدوا له.. وعاشوا الخوف مضاعفاً.. دون أن يتمكنوا من تدوير زواياه.. مثلهم يُخطئ لو اعتقد أنه المتألم الوحيد أو الموجوع الوحيد.. أو من اشتعلت عنده النيران ولم تنطفئ.. وحاصرته الأسئلة دون أجوبة.. ذلك أنّ ما يوجعه وما يشعر به يعاني منه كثيرون في أنحاء المعمورة.. فهناك من فقد عزيزا أو قتلته الخيانة أو دمره غياب الأمل أو فقد نفسه وهو لايزال يعيش ومع ذلك هو في عداد الأموات.. لكن تمترس بأوجاعه وأكمل الحياة وامتن لها.. وتمسك بحلم غائب وبعيد.. قد يبدو متبلداً ولكنه من الممكن الحفاظ عليه.. كمشروع قابل بأن يمنح الحياة..! تأمل الآخرين فكل له همومه وكل يعيش داخل دائرة لاتخلو من الأوجاع والآلام ومع ذلك لايشتكي أو يصرخ.. يعيش مشهده بتفاصيله وبالتالي لاتفرض عليه مشهداً هو يعرفه ولا تعرض له فيلماً اعتاده واختصر ذاته فيه..! لاتشتكي لأحد ولا تزعج أحداً بما يؤلمك فلكل شخص ألمه.. يختصره في ذاته ويستكين له في صمت.. ولا تعش وأنت تتخيل أنك تستحق فرصة لتتخلص من همومك برميها على الآخرين.. لأنهم ايضاً مهمومون ومع ذلك لم يعتادوا أن يتسكعوا بهمومهم في طرقات الآخرين لأنها قد لاتتسع لها وتفيض عن فهمهم..!

مشاركة :