الأمل لا يخلو من الخوف - نجوى هاشم

  • 2/23/2016
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

في أثناء دراستي ومن الصف الرابع تشكلت ميولي الأدبية.. لم أكن أحب المواد العلمية.. أكره الفيزياء والأحياء والكيمياء.. ولكن الرياضيات كنت متميزة بها.. ولا تضايقني حصصها أو اختباراتها.. لا أحب حصص الرسم والأشغال اليدوية أشعر فيها بالبلادة والكآبة وبرودة اللحظات بالرغم من أنها تبدو ممتعة للكثير من الطالبات اللاتي يعشقن العمل اليدوي.. لا بال طويلا لي على الخياطة أو الإمساك بالإبرة أو رسم مناظر طبيعية.. هذا الإحساس استمر معي حتى اللحظة رغم أن ذائقتي تغيرت في الرسم وأصبحت أتذوق واستمتع به كمشاهدة ولكن لاعلاقة لي بالريشة.. الرسم كنوع مبهر من أنواع الفنون الجميلة التي تعكس أصدق المشاعر وأجملها.. بأنواعه المتعددة..! أما بالنسبة للفنون الأخرى كالفن اليدوي والمشغولات اليدوية فقد تخصصت في العائلة اثنتان وبرعتا فيها وعملتا في نفس تخصصهما.. واكتشفت مع مرور الزمن أنّ هذا النوع من الفنون يحتاج إضافة إلى الموهبة.. الصبر والتروي والهدوء.. والتعامل ببال طويل وعدم ملامسة أطراف الملل.. لأنه يعتمد على التفاصيل الصغيرة وربطها ببعض..! وما بين الفنون والأدب تقف الرياضيات كعلم منفصل بحد ذاته.. علم عبقري يحتاج إلى الهدوء والتركيز في التعامل معه.. ولم أكن أعتقد أنه يرتبط بالخوف.. من خلال معلومة قرأتها منذ ايام تربط بين الخوف والرياضيات.. "الجزء المسؤول عن الإحساس بالخوف في الدماغ هو نفس الجزء المسؤول عن حل العمليات الرياضية لذلك فإن الخوف والقلق الذي ينتاب معظم الناس من مادة الرياضيات هو إحساس طبيعي لا إرادي يعود سببه للوظائف المشتركة التي يقوم بها الدماغ في نفس الوقت"..! هذه المعلومة التي توصل إليها العلماء من السهل ربطها بتعلم مادة الرياضيات ودراستها.. فتجد كل الطلبة والطالبات من الصف الأول وحتى نهاية الثانوية العامة العلمي.. يركزون في جداول الاختبارات النهائية وحتى الشهرية على موقع مادة الرياضيات في الجدول.. وغالباً ما تكون في اليوم الأول أو يوم يسبقه يوما إجازة.. وتكون مادة وحيدة منفردة ليس معها مادة أخرى في نفس اليوم حتى يستطيع الطالب مذاكرتها بتركيز وعدم تشتت.. ورغم هذا التنظيم لها يظل الطالب متخوفاً منها ومن أسئلتها.. في المنازل تلاحظ أن كل الأمهات تخاف الرياضيات فالأم تقول إنّها قلقة وتذاكر لطفلها لأن غداً لديه اختبار رياضيات مهم.. حتى وإن كان في الصف الأول.. يبدأ الخوف مع بداية الدراسة لهذه المادة.. من الطالب والأم.. والمدرس الذي يقول إنًّ مادته هي الأصعب ولابد أن تكون في بداية أول يوم اختبار ليكون الطالب في كامل تركيزه.. واستعداده كاملا ًلها وغير متخوف أو يعاني من ضغط مواد سبقتها.. صديقة لي منذ سنوات طويلة حولت منزلها عند اختبار مادة الرياضيات لكل أطفالها إلى خلية طوارئ.. لاتخرج من المنزل ولا تغادره بسبب الاختبار لهذه المادة قبل أسبوع ونقلت هذا الرعب لأطفالها.. وأخافتهم منها حتى إنّ البعض كره المادة وتخصص فيما هو بعيد عنها.. أخيراً تعمد المدارس كلها إلى وضع حصة الرياضيات كحصة أولى أو ثانية أو ثالثة على أكثر تقدير.. وفي بداية النهار الدراسي.. لأنها تعتمد على الذهن الصافي وتحتاج إلى نشاط وحيوية وعدم خمول عند تلقي المعلومة..! الواقع أنّ كل ما تقوم به المدارس ودارسي الرياضيات والأسر هو تماه مع ذلك الجزء المسؤول في الدماغ الذي يصدّر الخوف ليس من المادة ولكن الخوف بشكل عام.. ولذلك يخاف معظم الناس من مادة الرياضيات ليس تعمداً ولكن بإحساس طبيعي ولا إرادي.. لأنّ الخوف هنا يرتبط وظيفياً من المادة بمفهوم الخوف بشكل عام..! وبعيداً عن مادة الرياضيات المرتبطة بالخوف الوقتي.. يظل الخوف أو الإحساس بالخوف المنطلق من الدماغ هو إحساس طبيعي للإنسان ولا أحد ينجو منه.. ولكن تختلف أسباب الخوف من شخص إلى آخر.. فهناك من يخاف الموت.. وآخر يخاف الحياة.. وشخص يخاف الحب.. وشخص يخاف السفر.. وثالث يخاف البحر أو الطائرة.. أو الأماكن المغلقة.. أو بعض الحيوانات.. وشخص يخاف الظلام.. وشخص يخاف الخوف نفسه.. لا يخاف شيئا ولكن ما يخافه هو الخوف نفسه.. وهذا هو كما يقول "سنيكا" ألد أعداء الإنسان هو الخوف.. أو كما يقول "روزفلت" ما يجب أن تخافه هو الخوف نفسه..! لا أحد يمكنه أن ينجو من الخوف حتى وإن ادعى الشجاعة.. ولكن عليك أن تحتفظ بمخاوفك لنفسك، ولا تعلنها لأحد لأنها قد تتحول ورقة ضغط ضدك.. نخاف وأعتقد هذا هو الطبيعي.. نخاف أحياناً من لا شيء ربما من مجهول لانراه ولا نعرفه.. ولكن هل خوفنا من لاشيء هو الطبيعي.. وهل هذا الإحساس الذي يستكين في دواخلنا عن الخوف هو ما ينبغي أن يكون؟ يقول "سرفانتس" الخوف يتمتع بنظر بعيد المدى ويستطيع أن يرى الأشياء المخبأة..! كنت أشاهد فيلماً أجنبياً وكان المتهم البريء خائفاً وتحت ضغط المحققين.. كان خائفاً من الخوف من المكان ومن الوجوه التي تحاصره.. رغم أنه لم يرتكب جريمة.. قال المحقق لزميله: استغل خوفه ومارس عليه تخويفك.. لتحصل على ما تريد..! نخاف أنا وأنت من المجهول وأخاف أنا بالتحديد من الأماكن العالية والمصاعد المغلقة.. لدي فوبيا الأماكن العالية ترعبني.. تخيفني.. وأختار الأدوار المنخفضة في السفر أما المصعد فسعادتي عندما يكون به آخرون.. نخاف ولكن الحياة تتحرك.. نعيش الأمل.. ونحلم ولكن الأذكياء وحدهم هم من لايتركون الأمل مشرعاً دون خوف.. فحتى الحلم والأمل عليك أن تربطهما بإحساس الخوف.. لأنّ الخوف والأمل وجهان لعملة واحدة..!

مشاركة :