دعت القاضية مي مطر إلى إنشاء هيئة قضائية متخصصة لفض النزاعات التجارية الداخلية، مؤكدة على ضرورة أن يسبق الحل القضائي مرحلة وساطة وتوفيق.
ورأت مطر التي تحدثت مساء أمس الأول في ندوة نظمتها جمعية الشركات العائلية البحرينية مساء أمس الأول أن وصول النزاعات في الشركة العائلية إلى المحاكم هو بداية موتها لأن حدوث النزاع ووصلوه إلى ردهات المحاكم يجعل خطة الرجعة صعباً للغاية.
وشددت القاضية على أهمية تبني قواعد حوكمة الشركات وصوغ ميثاق أو دستور للعائلة للوقاية من النزعات وحلها إذا ما اندلعت وفق أنظمة واضحة ومحددة.
وشهدة الندوة التي وصمت بعنوان: الشركات العائلية والتحديات.. قراءة في الواقع القضائي نقاشاً ومداخلات وطرح العديد من الأسئلة، في حين أكد مدير الندوة رئيس جمعية الشركات العائلية خالد محمد كانو أن هدف الجمعية من تنظيم هذه الندوة وأمثالها توعية الشركات العائلية بالمشكلات التي تواجهها وضرورة الوقاية من مسببات النزاعات.
وصدرت مطر حديثها بالكلام عن أهمية الشركات العائلية بوصفها أقدم المنشآت التجارية وأكثرها شيوعا، مشيرة إلى أن التجارة العائلية تمثل ما نسبته 70% من مجمل التجارية على المستوى العالمي.
وقالت: إن هذه المنشآت عندما تدار بطريقة صحيحة فإنها تكون من أقوى المنشآت التجارية، غير أن الواقع يقول بأن الشركات العائلية هي أكثر عرضة من الشركات الأخرى للانهيار.
وشددت على أن وجود هذه الشركات وديمومتها وانتقالها عبر الأجيال أمر مهم لاقتصاد البحرين والمنطقة فهي تمثل نحو 80% من الناتج المحلي غير النفطي.
لا قوانين خاصة بالشركات العائلية
وأوضحت القاضية بأنه لا توجد قوانين خاصة بالشركات العائلية، فالقانون ينظر إلى الشركات بعين واحدة، وذلك على الرغم من وجود بعض القواعد الخاصة بالشركات العائلية من باب تشجيعها على اتباع قواعد ونظم الحوكمة.
وذكرت أن الشركات العائلية تنشأ بطريقتين، الأولى من خلال شركة تؤسس من بالبداية بمشاركة الإخوة أو أبناء العمومة فيما يوصف باتحاد إرادة أفراد العائلة لتأسيس شركة فيما بينهم، والثانية من خلال الإرث.
ولفتت إلى أن التحديات في تحول الشركة من المؤسس إلى الورثة كبيرة، وذلك يجعلها إما تتخطى التحديات لتكون شركة أقوى أو أن تسقط في مطب النزاعات لتعلن بداية وفاتها، موضحة بأن التحديات التي قد تواجه الشركة، هي: ضعف الرؤية، وسوء الإدارة، وقلة الانضباط، ومحاباة الأقارب، والتعامل مع الشركة بأسس غير تجارية، وعدم وجود خطة لتعاقب الأجيال.
وقالت: إذا انتقلت الملكية من المؤسس إلى أولاده أو من جيل لآخر فغالباً ما يكون الورثة متفقين أو متنازعين، وفي حال الاتفاق فعادة ما يأتون إلى المحكمة لتصفية السجل ليأخذ كل ذي حق حقه، وفي الغالب هم بعيدون عن الشركة ولا شأن لهم بها ولا رغبة لهم في إدارتها أو أنهم يتفقون على إدارة الشركة بالتراضي.
وفي هذا السياق أعربت عن تأييدها إلى تحويل الشركة إلى شركة مساهمة، وذلك لعدة أسباب، من بينها: طبيعة الشركة المساهمة، والقدرة على رفع رأس المال، وتحسين طرق الإدارة.
وتابعت قائلة: أما في حال تنازع الورثة فيغلب عليه الحدية والضغائن، ويحتمل التنازع ثلاثة خيارات، هي: تحويل الشركة من شركة فردية إلى شركة ذات مسؤولية محدودة، والوصول إلى ترضية بناء على حكم المحكمة وذلك نادر، وتثمين الشركة ثم تصفيتها.
تهميش البنات يدب في نفوسهن الشك
ونوهت إلى أن من بين المشكلات التي تعترض طريق الشركات في انتقالها من جيل المؤسس إلى الجيل الثاني هي تهميش البنات، وإبعادهن عن الإدارة فيدب في نفوسهن الشك والشعور بالاضطهاد.
وقالت: ذلك الشعور يدفعهن إلى اللجوء إلى القضاء، فيمكن لفرد واحد أن يوصل القضية إلى المحكمة.
وأوضحت أن وصول القضية إلى المحكمة أمر سلبي، لأنه يعد بمثابة بداية لوفاة الشركة، وضربت مثال قائلة: هنالك قضية منظورة في المحاكم بشأن شركة دواجن، وهي منذ أربع سنوات تحت الحراسة القضائية، وأرباحها تنخفض، وقد دب النزاع بين الورثة لدرجة أن الأخوات لا يردن أن يحصل أخوهم على الشركة، ويردن بيع أسهمهن إلى أي شخص غريب.
وضربت مثالاً بشركة للحلويات قام ابن صاحب الشركة بالدخول في نزاع مع أبيه بشأنها.
ونوهت إلى أن تدخل الأبناء في هذه الحالات يأتي بوصفهم شركاء، وأحياناً طريقة إدارة المؤسس للشركة تعدطي مدخلاً لتدخل الأنباء قضائياً.
وقالت: في شركة من الشركات استطاع الأبناء الطعن في تأسيس عقد شركة والدهم، ووصفوه بأنه صوري إذ ليس لهم أي دور على الرغم من اعتبارهم شركاء، وعندما بحثت المحكمة الأمر وجدت أن الشركاء لا يمارسون دوراً في الشركة، والعقد صوري فأبطلت محكمة الاستئناف العقد. وأضافت: هذه المشكلات تحدث عندما يتعامل المؤسسين مع الشركة باعتبارها أموال وسيولة نقدية وليست نظاماً وقوانين، وعندما تختلط مفاهيم الإدارة بالملكية فإن ذلك يفتح الباب على مصراعيه أمام النزاعات العائلية.
وشددت القاضية مي مطر على أهمية التخطيط للتعاقب الوظيفي في الشركات العائلية بما يساعد على استدامة الشركة ونجاحها.
15% من الشركات لديها خطط للتعاقب الوظيفي
وقالت: إن الدراسات توضح أن أقل من 50% من الشركات في الغرب لديها خطط للتعاقب الوظيفي بينما تصل النسبة في الشرق الأوسط إلى أقل من 15%.
وأضافت: وعلى الرغم من ذلك فإن 37% من خطط التعاقب الوظيفي التي تتبعها بعض المؤسسات تفشل بشكل فادح لأن ما يزيد على 80% من العمليات المتبعة لوضع خطط التعاقب الوظيفي تستهدف الموظفين ذوي الأداء العالي، أو الذين يأتون بنتائج في وظائفهم الحالية، وتضعهم ضمن الخطة لاتخاذ دور قيادي لهم ضمن الإدارة العليا، متجاهلة بذلك الموظفين ذوي الإمكانات المميزة التي يمكن تطويرها وصقلها.
وأردفت قائلة: لا بد أن نعرف أن ليس كل مدير ممتاز، وليس كل مدير ممتاز يبقى كذلك طوال عمره.
ودعت القاضية مطر إلى أن تأخذ الشركات العائلية باعتبارات رئيسية في حسبانها، ومن أهم تلك الاعتبارات: المحافظة على أن تظل إدارة العمل داخل العائلة، ومن يعد جزءاً منها، وتحديد رؤية واضحة بشأن إسناد المهام الإدارية لأفراد من العائلة أو من خارجها، وتقرير ما إذا كان أفراد العائلة سيتمتعون بفرص عمل داخل الشركة والكيفية التي ستدار بها هذه الفرص، مشددة على ضرورة إطلاع أفراد العائلة باستمرار على أداء الشركة، والكيفية التي ستتخذ بها القرارات الرئيسية التي تؤثر على الشركة.
وقالت: إن كثيراً من القضايا والنزاعات التي تصل إلى المحاكم تأتي من شعور بعض أفراد الشركة بأنهم مغيبين، إذ لا يعرفون عن رواتب أفراد العائلة الذين يعملون في الشركة، ولا يعرفون شيئاً عن الأرباح والإيرادات.
وذكرت أن إحدى الشركات لعلها شركة الزامل قامت بعرض جدول الرواتب، وإطلاق نظامل شامل للترقيت، وأخضعت كل ذلك إلى لجان تدقيق ومحاسبة، ولذلك لا يغني الشركة العائلية عن ضرورة تعزيز الروابط بين أفرادة، لأن قوة الشركة العائلية في روابط أفرادها وصلاتهم القوية.
لجنة للوساطة وحل الخلافات
وشجعت القاضية مي مطر أن تضع كل عائلة لنفسها لجنة للوساطة وحل الخلافات بحيث لا تتطور إلى نزاعات قضائية.
وأعقبت كلمة مطر عدة مداخلات، فاقترح عضو مجلس الشورى رجل الأعمال درويش المناعي أن تؤسس الغرفة لجنة للوساطة لحل النزاعات ودياً، وشدد عضو جمعية حماية المستهلك الدكتور منذر نعمان على أهمية حل الخلافات بطرق الوساطة والتوافق لأن اللجوء إلى المحاكم يعقد المشهد، مشيراً إلى أن حجم القضايا المحجوزة في السعودية على سبيل المثال تصل إلى 6 مليارات دولار.