(مجموعة ماسك) قصة نجاح لاستمرار الشركات العائلية دون نزاعات - عبدالوهاب الفايز

  • 8/9/2023
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

الحوار الثري والعميق بين عبدالعزيز السبيعي وعمر الجريسي في (بودكاست سقراط)، والذي دار حول الموضوع الكبير الذي ما زال ومنذ عقود يقلقنا وهو: كيف تستمر وتعمل الشركات العائلية بنجاح ودون نزاعات. ونجاح الحلقة في التناول العميق الدقيق لهذا الموضوع يعود لكون المحاور والضيف من بيتين تجاريين عريقين نجحا في التنوع والاستقرار. فمؤسسا (مجموعة ماسك) الشيخان محمد السبيعي وشقيقه عبدالله -رحمهما الله-، ومؤسس مجموعة الجريسي الشيخ عبدالرحمن الجريسي -حفظه اله وأمده بالصحة والعافية- هؤلاء من الجيل العصامي الذي تعب وعانى ظروف الحياة الصعبة، والنجاح في بناء الكيانات التجارية والصناعية الكبرى لم يأت على طبق من ذهب، بل هو ثمرة رحلة كفاح حافلة بكل دروس المعاناة والإخفاق والنجاح. استمرار الشركات العائلية موضوع مهم ومقلق. مهم لكون معظم النشاط الاقتصادي والتجاري في بلادنا قام على جهد الجيل العصامي من التجار قبل دخول عوائد النفط لتكون مصدر الاستدامة المالية للدولة والمجتمع. الآن ما يقارب التسعين بالمئة من الشركات في المملكة هي كيانات عائلية. وهذا الموضوع بدأت تتضح أهميته للاقتصاد الوطني، مع نمو هذه الشركات وتوسع نشاطها واتضاح عمق أثرها كموظف للموارد البشرية، وكمطور للنشاط الاقتصادي والصناعي.. والأهم كراعٍ رئيسي للنشاط الخيري وداعم لمشاريع المسؤولية الاجتماعية، وريادة الأعمال. هو مقلق أيضًا، ليس في السعودية، بل في دول الخليج. في منتصف التسعينيات الميلادية الماضية، بدأت المنطقة تفقد رواد التجارة والصناعة الذين أسسوا البيوت التجارية في الربع الأول من القرن. والقلق والخوف من تداعي هذه الكيانات التجارية له ما يبرره. لقد بُنيت على أسس تجارية سليمة، وقيم وأخلاقيات تجارة نبيلة، وكبرت عبر رحلة نمو طبيعي، وتجمعت لها تجربة ثرية في القيادة والإدارة والممارسات الأخلاقية والخيرية الإنسانية. هذه الكيانات، بالنسبة للدول والمجتمعات، تعد رأس مال وطني يجب حمايته حتى إذا تطلب الأمر ضرورة تدخل مؤسسات الدولة السيادية لحمايتها والمحافظة عليها وتهيئة الآليات العادلة اللازمة لاستمرارها ولإبقاء مكتسباتها. دول الخليج أحست بهذه المشكلة مبكرًا، وفي أواخر التسعينيات حضرت ندوة موسعة نظمها اتحاد الغرف الخليجية حول أوضاع الشركات العائلية في الكويت، وأبرز الجلسات في الملتقي التي حظيت باهتمام حضور الملتقى ووسائل الإعلام كانت الجلسة المخصصة لاستعرض تجربة (مجموعة كانو)، وكانت حينئذ النموذج الأبرز في التحول إلى شركة مساهمة مقفلة، وقدم الورقة الأستاذ خالد كانو، وكانت فعلاً حالة دراسية جديدة يبنى عليها. ولم يقف الاهتمام الخليجي عند هذا الحد. فقد تأسس «مجلس الشركات العائلية الخليجية» عام 2012، في الإمارات العربية المتحدة، كمنظمة خاصة غير ربحية تتبع لـ»شبكة الشركات العائلية الدولية»، ويمثل مجموعة من الشركات العائلية الرائدة في دول المجلس. ويسعى إلى جلب وتطبيق أفضل ممارسات الحوكمة في الشركات العائلية، وتكريس ممارسات المسؤولية الاجتماعية على مدى الأجيال. ومعالجة القضايا الخاصة مثل تحديات نقل القيادة، وتطوير برامج مثل إعداد الجيل القيادي القادم، والتواصل بين أفراد الأسرة، وتعزيز الدور الإيجابي للشركات العائلية ومساهمتها في تنمية الاقتصاد والمجتمع. أيضًا في البحرين تأسست الجمعية البحرينية للشركات العائلية التي تتبنى حث الشركات العائلية على مستوى البحرين ودول المنطقة على التحول إلى شركات مساهمة أو مقفلة خصوصًا الشركات العائلية التي لديها الطموح والقدرة على الإنجاز. وهذا الاهتمام تعزز لاحقًا مع تتابع انهيار شركات وصلت إلى الجيل الثالث من أبنائها ولم يكن معدًا للقيادة مما أدى لفقدانها مكانتها وإرثها وسمعتها وامتيازاتها التجارية من وكالات وأصول، وكان الخاسر الأكبر هو الاقتصاد. والنزاعات العائلية حالة تبرز في المنظمات بعد رحيل باني الكيان، وهذه تعرف بمرحلة (أزمة القيادة). وهذه مرحلة حاسمة، فالمعروف أن نسبة الشركات العائلية التي تنقل ملكيتها وتستمر بنجاح إلى الجيل الثالث لا تتعدى 15 %. والسبب غالبًا يعود لعدم وجود القيادة. في ظل هذه التحديات الصعبة التي تواجهها الشركات العائلية، على المستوى الوطني نفرح بوجود قصص نجاح للشركات العائلية. وحاجة الاستدامة تتطلب تدوين التجارب الناجحة في تحول الشركات العائلية في المملكة، مثل تجربة (مجموعة محمد إبراهيم السبيعي وأولاده، وماسك) التي دار حولها النقاش في الحلقة. طبعًا جزء من نجاح هذه المجموعة والذي مكنها من الاستقرار والاستدامة كان موجودًا في القيم والأخلاقيات والأسس الحاكمة والمرشدة التي وضعها الراحل محمد إبراهيم السبيعي -رحمه الله. فقد كانت المنطلق الذي سهّل سرعة التحول في الملكية وفي إدارة المجموعة. وهذه الحاجة الماسة لتوثيق التجارب الوطنية الأولى أن يتولاها (المركز الوطني للمنشآت العائلية)، فالمملكة أنشأت هذا المجلس لأجل دعم المنشآت العائلية وتقوية مكانتها. تدوين التجارب الناجحة والفاشلة يوفر مادة ثرية تطور علم وممارسات إدارة الأعمال في المملكة. فطلاب الإدارة يحتاجون التعلم منها. أيضًا مراكز الأبحاث والدراسات سوف تستفيد منها لإثراء قطاع ممارسات الاستشارات الإدارية الوطنية حين تبرز الحاجة لخدمات تحويل الشركات العائلية وإعادة الهيكلة. في تجربة أبناء وبنات محمد السبيعي ملامح ومواقف رئيسية حاسمة تحدث عنها عبدالعزيز السبيعي. والأمر الذي لفت الانتباه كثيرًا هو موقف البنات، فقد كانوا الأكثر حرصًا على استمرار الشركة كما أسسها والدهم. وهذا أعطى التميز لتجربة ماسك. أيضًا تحدث عن معالجة تحدي التعاقب الوظيفي، فالشركات العائلية عادة تواجه تحدي العثور على أفراد الأسرة المناسبين والمؤهلين لخلافة الجيل الحالي من القيادة. أيضًا أوضح كيف تم التحوط للنزاعات الشخصية العائلية حيث تم وضع الآليات التي تحقق التوازن بين الأدوار والمسؤوليات العائلية، وتسوية النزاعات. كذلك أوضح آلية الحوكمة وصنع القرار لضمان اتخاذ القرارات العادلة والشفافة، مع مراعاة الحراك والنمو في العلاقات الأسرية، والأهم أوضح آلية التخارج. وبخصوص الإستراتيجية والابتكار حيث عادة تواجه الشركات العائلية عقبات في التكيف مع حالة السوق المتغيرة والتي قد تتطلب المرونة الإستراتيجية، أوضح كيف تم حوكمة هذا الجانب حتى لا تعيق القيم العائلية التقليدية ومقاومة التغيير قدرة الشركة على التطور والمنافسة. كذلك أبرز أهمية إضفاء الطابع المهني على فريق الإدارة، وتحقق ذلك عبر استقطاب فريق إداري كفؤ وماهر من خارج العائلة. وهذا أمر بالغ الأهمية لنجاح ونمو الشركات العائلية على المدى الطويل. كما أن فصل الإدارة عن الملكية أحد جوانب النجاح الرئيسية في التجربة. ومن أبرز عوامل النجاح لتجربة السبيعي، كما أوضحها الحوار، أنها نظرت إلى الأسباب الرئيسية لفشل الشركات مثل اختلاف الرؤية بين الأجيال. وأيضًا الدخول المفاجئ للبنات والأقارب والأنساب في عمل الشركات بعد الإبعاد في المرحلة الأولى، وثالثًا، عدم توريث الجهد الخارق للمؤسس الذي صنع الإنجازات مستثمرًا مهاراته وعلاقاته وخبرته، فكل هذه لم تنتقل للجيل الثاني كأصول. إدراك هذه العوامل هو الذي سرَّع عملية تحويل القيادة للجيل الثاني، وهي عملية تمت بحياة الشيخين محمد وعبدالله حيث أشرفا عليها وقدما التوجيهات الضرورية، والأهم أنهما رحلا إلى ربهما بعد الاطمئنان على بقاء العائلة موحدة ومتماسكة ودون خلافات. فعلاً، قصة نجاح نتمنى تدوينها وتدريسها.

مشاركة :