تدير صورتك بنفسك - نجوى هاشم

  • 6/11/2015
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

من خلال الواتس أب تعرف من لديه حالة وفاة خاصة إذا كنت من ذلك النوع الذي يعبر كل يوم على جهات الاتصال.. ستجد الصورة وستعرف من العبارة المكتوبة من مات لديه.. وستتصل إذا عرفت إما للتعزية أو للاستفسار إن لم تفهم.. وستعرف من هو سعيد ومن هو غاضب.. خاصة إذا كنت قارئا جيدا للعبارات والوجوه.. ولكن هناك من يكتب عبارة تعجبه فقط ولاتتعلق بأوضاعه.. ومع ذلك اكتشفت صديقة توشك على الطلاق من خلال كم الشتائم والوجع والطرد الذي تكتبه.. بعد أن كانت تتغزل علانية وبوقاحة في عباراتها المكتوبة.. في زوجها الجديد.. فجأة تغير الوضع وبدأت تكتب عبارات.. أنّه لا أحد يكسرها او يغيب بمزاجه ويحضر.. وإنّ المرأة قادرة أن تمسحه وتعيش حياتها.. بعد شهور مع بوكيهات الورد وصور الأيادي المحتضنة ولحظات الغرام.. وهو ما كان يستوقفني.. ليس لأنني شرطة مصادرة المحبين أو الأخلاق ولكن يظل هناك خيط رفيع بين حقيقتنا وعواطفنا ومصداقيتنا معها، وبين أن تكون مُشاعة للآخرين.. بصورة أو عبارة خادشة للحياء.. في ظل أن تكون المرأة لديها شباب وشابات في العشرين وتكتب عبارات غزل فارهة بمراهقتها وتجاوزها وانعدام حيائها.. في ظل أنّ هذا الواتس أب مُتاح لكل من لديه الرقم وللأسرة والعائلة.. ماذا يجري في المجتمع؟ سؤال تُرهقني إجابته.. ولماذا هذا الانفتاح الزائد وهذا الاستخدام الكثيف لهذه الوسائل من التواصل.. والتي في الغالب تُريد أو يُريد أصحابها أن يقولوا نحن هنا.. ولكن نحن هنا بماذا؟ بخصوصية الأسرة والعائلة.. بعيداً عن أمور الموت والمناسبات.. التي نعرفها من خلاله.. ولكن الخصوصيات هل تعني أحدا؟ شخص يستيقظ صباحاً لينشر صورة تناوله للإفطار أو السندوتش الذي اشتراه.. أو فنجان القهوة الذي يشربه.. أو صحن الرز البخاري الذي لايتجاوز سعره ريالا وبكيسه مع الدجاجة منثوراً في الصحن وهو يمد يده ويقول اتفضلوا.. أو شخص ذاهب للسفر يشرح ويصور للناس ذلك وهو يرتب الشنطة ويركب السيارة والمطار وهو واقف لكرت الصعود حتى تقفل أبواب الرحلة.. ماذا يعني الناس في ذلك؟ وهل أنت المسافر الوحيد؟ صوّر عندما تصل: المكان والمناظر والأشياء الجميلة، إن كنت عاشقا للصور.. صور نفسك مع أطفالك أو الأصدقاء..أو أسرتك هذا شأنك ومتعتك.. ولكن أن تكشف عن خصوصيتك وكل تفاصيل سفرتك أعتقد أنّ هذا يكسر حاجزك ويسرق خصوصيتك إن كنت تعتني بالخصوصية.. مشكلتنا أننا نخلط بين العام والخاص.. فماذا يعني الآخرين أن أكون مع صديقاتي اللحظة في مكان ما وأنشر أنني في الطريق لذلك المكان..؟ الطرافة تلك التغريدة لأحدهم وهو يصور عربة المقاضي في بندة بما فيها ويقول إنه الآن يتبضع وذاهب إلى الكاشير.. والثانية بعد ثوان كتب أنّ الكاشير الآن زحمة وهو مضطر للبقاء أمام عربته حتى يحاسب وصوّر نفسه وهو ينتظر الحساب.. هل هو الوحيد الذي دخل بندة؟ هل هو الوحيد الذي اشترى وعانى من الزحمة؟ لا بأس أن ينشر أحدهم وهو المبدع صورة أو حكاية تخصه بين آن وآخر في ظل إقامته الدائمة على ضفة إبداعه.. وفي ظل تقديمه ما يهم من يقرأ لكن أن تتحول وسائل التواصل إلى طروحات خصوصية كما ترى إحدى الزميلات وتصر عليه بأنه لابد أن يكون كذلك لأنّ المسمى تواصل.. نطرح كل ما يخطر على بالنا.. وما نقوم بفعله أو ننوي القيام به بعيداً عن الجدية.. وأنّ الواتس أب وسيلة تعريفية بالشخص ليس إلا.. نختلف أنا وهي على امتداد الفكرة لكن لا نغضب وهذا هو مفهوم الاختلاف..! في اليوتيوب وما يتداول من أفكار سطحية وفارغة ولا معنى لها تبدأ من كذبة رجل أعطى زوجته ريال لأنها عملت له شكشوكة.. وآخر أعطى زوجته هدايا ب ألف ريال بمناسبة ولادتها.. والقروبات والناس تنشر وترسل.. بودي أن اعرف من أين للناس كل هذا الوقت الذي يعاودون فيه إرسال الصور والرسائل والفيديو لعدة أشخاص؟ من أين يأتي الوقت الذي يسمح بأن أترصد حياتي اليومية وساعاتها المتلاحقة لأتفرغ للتصوير والتعليق عليها.. حتى وانا في أشد حالات انشغالي..؟ كاريكاتير يعكس الحالة لزوجة لاتزال تولد والألم يداهمها وهي تمسك بالجوال لتكتب أنها ولدت بالسلامة وأنها الآن في غرفة العمليات وتريد تصويرها للواتس أب.. من غرفة العمليات وجعلها صورتها.. روعة هذا الكاريكاتير تعكس أنّ الناس المتواصلين في سباق مع الزمن قبل أن يكونوا في سباق مع أنفسهم ومع من حولهم.. يخافون أن يسبقهم أحد للنشر المجاني فيستبقون الأحداث من عمق ما هم عليه.. حتى الأموات وهم في الرمق الأخير.. يتم تصويرهم حتى يلفظوا أرواحهم.. أي تواصل هذا وأي حياة تكشف وتتعدى على الأماكن المحظورة والخاصة رغم أنّ هناك من لايعجبه مقالي وقد يعتبر ذلك أسلوباً من اساليب مصادرة الحريات.. والعكس صحيح فكلٌ منّا حرّ فيما يفعل أو يكتب.. لك حرية أن تفعل ما تشاء ولا يعجبني.. ولي حرية أن أكتب ما أشاء ولا يعجبك.. ولا يروق لك.. فحسابات البشر في الغالب لا تتطابق مع بعضها، والزوايا التي ننظر منها قد لا تمنح نفس الرؤية.. حتى لو سلمنا بتدوير الزوايا وإعادة بلورتها.. فقط يختلف البشر من خلال تجربة وسائل التواصل الاجتماعي عن بعضهم.. من حيث الأفكار وتعريف الزمن وأهميته والوقت وقيمته.. وما ينبغي أن يطرح أو يغيّب.. وتلك اللحظات المتأملة والتي يخطها البعض باللون الأحمر.. وآخرون باللون الأخضر.. والبعض بألوان لا تحمل هويتها.. يقدم من خلالها حلا ً.. أو يصيغ ما لديه من خلال عوامل تُبنى على ثقافته وحواسه.. وعالمه المليء بالضجر والملل..! من الصعب أن يتبدد الوقت في ساعات طويلة على هذه الوسائل تقضيها باحثاً عن آخرين افتراضيين أحياناً ومعارف احياناً أخرى.. ترسل صورا وتشتم من لاتعرفه وتتعدى على آخر.. والسؤال:هل أفرزت هذه الوسائل أفضل ما لدينا؟ أم أنها كشفت عن المستور؟..ل شعب لا يقرأ أو لشعوب لاتقرأ وتكتفي بالسماع والركض خلف معلومات سطحية ووهمية وقضايا مثيرة وساذجة أحياناً ومشحونة بالفتنة والإثارة..!

مشاركة :