أنت والآخر.. صورة آمنة - نجوى هاشم

  • 1/28/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

في دورة تدريبية في أحد المعاهد كان الحضور متدرباً وكان المحاضر يلقي محاضرته وفجأة سكت وقام بتوزيع بالونة على المتدربين وطلب منهم أن ينفخوها ويربطوها.. ثم طلب من كل متدرب أن يكتب اسمه على البالون بخط واضح.. جمع المحاضر البالونات ووضعها في غرفة صغيرة فملأتها تقريباً..! طلب من الحضور أن يدخلوا الغرفة جميعاً.. وأن يحاول كل متدرب خلال خمس دقائق أن يجد البالون الذي يحمل اسمه.. هاج المتدربون وحاولوا.. انتهت الدقائق الخمس ولم يستطع أي متدرب أن يجد البالون الذي يحمل اسمه..! طلب منهم بعد ذلك أن يأخذ كل متدرب بالوناً أياً كان الاسم الذي يحمله ثم يعطيه لصاحب الاسم.. تمت العملية خلال دقيقة واحدة.. وكان مع كل متدرب البالون الذي يحمل اسمه.. وكان الجميع سعداء..! عندها قال المحاضر: البالونات تمثل سعادتنا التي نبحث عنها.. عندما كنا نبحث عن سعادتنا فقط استحال علينا أن نجدها.. ولكن عندما قدمنا السعادة للآخرين منحونا السعادة..! فالسعادة هي بما تقدمه لمن تحب ومن يحتاج فيفرح ويبتسم.. فعندها تجد سعادتك في ابتسامته وفرحك في فرحه.. قدّم له سعادته يقدم لك سعادتك.. قدم لعائلتك لأصدقائك.. لزملائك في العمل.. قدم لهم سعادتهم يقدموا لك سعادتك..! في إحدى السفرات ذهبنا إلى مطعم تعودنا الذهاب إليه وفي كل مرة يكون مزدحماً.. ولا تجد الطاولة التي تعجبك لكن.. نتناول الطعام ونغادر.. المرة الأخيرة قلت لصديقتي أتمنى أن يكون المكان فارغاً؟ فقالت: ستكون فيه خمس أو ست طاولات مشغولة.. دخلنا والجو بارد جداً ولم نجد سوى طاولتين متباعدتين.. ونحن اخترنا الطاولة التي نريدها.. في البداية استمتعت بالهدوء وسرعة إنجاز الطلبات.. لكن بعدها تنبهت تدريجياً إلى أن المكان موحش وهادىء ولا حياة فيه.. بعد أن غادر من كان على الطاولتين.. وبعد أن تفرغ الجراسين للوقوف أمامنا بصفتنا الطاولة الوحيدة.. ومن لم يقف ظل محدقاً فينا منتظراً إشارة لتلبية طلباتنا.. دارت الصورة في ذهني لحظتها وهي أن سعادة بعض الأمكنة في الغالب مرتبطة بمن فيها.. رغم أنك لاتعرفهم.. ولاتربطك علاقة بهم فهم متغيرون.. وعابرون.. ينطبق ذلك على الطريق أو السوق.. فوجود بشر يتحركون يسعدك.. لكن غياب الناس من المكان يخيفك.. وتشعر أنك وحيد..! في مباريات كرة القدم بالتحديد سعادة الجماهير العاشقة لفرقها هو الحضور والتشجيع بصرف النظر فاز الفريق أو خسر.. أو لم يحقق شيئاً.. السعادة هنا مرتبطة بفكرة الحضور للملعب والاستمتاع بالأهازيج ودعم الفريق ليقدم الأفضل.. مع هذا الحضور الذي يسعد المشجع ويمنحه الفرح عند الحضور.. إذن السعادة ليست في الفوز أو الخسارة ولكن في متعة الحضور ذاتها مع الجماهير والتشجيع..! اختلف الناس في تعريف السعادة، واختلفوا في فهمها، واختلفوا في لحظات الإحساس بها.. وهل هي عابرة أم ثابتة؟ والواقع أنّ السعادة لها آلاف التعريفات ولكن تظل خارج نطاق إحساسك بها إن لم تعشها أو تجربها.. ولن أقول تسعى إليها.. فالسعادة حلم أو خيال قد لا تراه ولكن تشعر به.. إحساس عابر يغمرك بالنشوة ثم يغادر دون أن تتمكن من الإمساك به.. لأنه لاسعادة دائمة ولا حزن مقيم..! يقول أحدهم "من أشقّ الأمور علينا أن نعرف طريق السعادة.. لقد فشل الفقر.. وفشلت الثروة في إيصالنا إليها.." .. بالعودة لتجربة المحاضر البسيطة نكتشف أنّ جميع المتدربين لم يلامسوا السعادة إلا عندما استطاعوا أن يحصلوا على بالوناتهم عن طريق غيرهم.. إذن السعادة تمنح للآخرين عندما نعجز عن إيجادها.. وتكون اللذة في أن نجعل الآخرين سعداء أكبر من اللذة في أن نكون سعداء بمفردنا.. ولذلك في لحظات الفرح تحب من يشاركك هذا الفرح وأن يبدو سعيداً.. نفرح معاً.. حتى وإن كان ظاهرياً..! يقول أندريه موريه "ليس في الدنيا حياة سعيدة.. وإنما فيها أيام سعيدة.." وأحياناً لحظات فقط سعيدة.. وحتى الأمكنة تمنح السعادة وبعضها يغلق منافذها.. ومع ذلك ورغم أن السعادة تزداد بسعادة الآخر إلا أنها في الأصل إحساس من الممكن أن ننميه ويتحقق.. من خلال إحساسك الداخلي أنك سعيد وبالتالي كلما انغمرت في هذا الإحساس لامست حدود السعادة.. وكلما جاءتك الفرصة لتسعد تقبلتها بسعادة بمفردك.. وبفكرة استحقاقك لها..! تسعد لو أردت مع نفسك وحيداً متفرغاً لها.. وتسعد مع الآخرين لو أردت متدثراً بطمأنينة أنك تستحق أن تكون معهم.. دائماً لو كانت تلك اللحظة تشعرك بالسعادة..! هي الحكاية نفسها تتغير الأزمنة وتتبدل الفصول.. ولكن حكاية السعادة تظل كما هي تُسرد بنفس الشخوص والمواقف ولكن بوجوه زمنية مختلفة..! najwahashem@live.com

مشاركة :