يختلف الناس على تسمية حوادث السيارات لدينا والتي حصدت أرواح الآلاف.. وعطلت قدرات آخرين.. كثيرون منهم في المستشفيات يقضون بقية العمر.. ويحتاجون إلى رعاية مستمرة.. وآخرون في المنازل لا تعرف الأسر كيف تعيدهم إلى الحياة أو كيف تتعامل معهم، أو تؤهلهم للعودة إلى ممارسة الحياة مرة أخرى حسب القدرات المتاحة لهم..! البعض يرى أنها أمر عادي يحصل في كل دول العالم وأيضاً هو قضاء وقدر ولا ينبغي أن يحمّل أكثر مما يحتمل.. والبعض الآخر يراه غير ذلك خاصة أنه لو اتفق مع الطرف الأول على كونه عالمياً إلا أنه تجاهل أهم ما نختلف به عن العالم وهو أننا لانطبق أنظمة صارمة لمواجهة هذه الحوادث. وأيضاً ليست لدينا عقوبات رادعة وقاسية تمنع مثل هذه الحوادث أو تحد منها..! هؤلاء يصنفون الحوادث تحت مسمى "ظاهرة" ونحن مجتمع ترعبه كلمة ظاهرة بل إن البعض لديه "فوبيا"منها ويعتبرها تعميمية ولا علاقة لنا بها خاصة أننا مجتمع ملائكي ولا تُرتكب فيه أخطاء مثله مثل المجتمعات الأخرى..! وفي القاموس"الظاهر" اسم من أسماء الله الحسنى، ومعناه الغالب بالقدرة على كل شيء.. "والظاهرة"هي فعل يمارسه الجموع من البشر، أو هم يتعرضون له، أو يعانون منه، أو من نتائجه، وحينما تكون الظاهرة ذات بُعد فلنا أن نعلم أن المشكلة لايمكن تحديد المصادر المسؤولة عن تشكلها، ما لم تكن على دراية تامة بموقعها العام.. وعلينا أن نعي بشكل ماهر تداخلات الأفعال.. التي تُشكل في مجملها حالة مثل الأمية والفقر.. رغم ان الأمية لا تُدعى ظاهرة، بقدر ما تُسمى قضية اجتماعية.. بينماالفعل السلبي يسمى ظاهرة" كالحوادث"والعنصرية.. والمخدرات.. والتسول.. يتضح أنه لا يوجد في المرجعية العلمية لعلم الاجتماع تحديد واضح أو تفريق بين السلوك او القضية الاجتماعية.. كظواهر وهي في الغالب تسمى جميعها "ظاهرة اجتماعية"..! التعريف السابق ينطبق حرفياً على الحوادث التي من خلاله تُصنف كظاهرة وأيضاً مشكلة متعددة الأسباب.. وأيضاً متعددة الحلول ولكن لا أحد يأبه.. الجميع يتحدث ويناقش ويطرح، لكن دون تفعيل لهذا النقاش.. أو تحويله إلى حقائق تستحق التعامل معها من الجهات المسؤولة..! يقول جبران خليل جبران "المخطئ لا يرتكب الخطيئة إلا بإرادة مستترة من المجتمع " هذا يعني أن من يتسببون في الحوادث يساعدهم المجتمع الصامت.. في ظل اعتبارها ظاهرة.. صمت المجتمع من خلال رفضه أن يستوعب حجم المشكلة.. رفضه يأتي من خلال أن أغلب أفراده يرفضون تفعيل نظام سحب رخصة القيادة من السائق في حالة تكرار مخالفاته.. أو تسببه في إزهاق أرواح.. صمته من خلال عدم الإحساس بأن هذه الظاهرة تضعنا على قائمة الدول الأولى في العالم التي يموت منها يومياً العديد من البشر بسبب هذه الحوادث التي قد يرتكبها السائق.. ويزهق عدة أرواح لتهوره إما في مركبته.. أو آخرين يقضي عليهم.. ورغم ذلك لم تتحرك الجهات الاجتماعية لتشكيل جمعيات أو لجان تحصر الأعداد وتساعد في التأهيل وتعمل على التوعية بهذه الظاهرة.. المريرة.. وهي في اعتقادي إن أُنشئت ستكون من أهم الجمعيات وأكثرها فعالية وبالذات في المدن الصغيرة..! الحوادث ظاهرة يتستر عليها ليس المجتمع فقط بصمته وعجزه. وتجاهله لها، ورفضه كلياً أن ينزلق المجتمع الى قضية الظواهر، وغياب وعي.. يتستر عليها أيضاً المسؤولون من خلال أهم ما ينبغي فعله وهو العقوبات القاسية.. وتنفيذ أحكام القانون بقسوة للردع.. ولحماية مستقبل من يحلم به.. ولضمان المستقبل ينبغي أن يكون هناك تعويض عن الماضي.. هذا التعويض الرمزي ليس بالضرورة أن يكون مادياً وإنما قد يكون معنوياً ووقائياً.. وحامياً لمن لا يمتلكون الحماية.. يغيب الدور المؤسساتي من خلال غياب الإحصائيات وهي الأهم في عالمنا الحاضر.. يغيب لأن الناس ترى وتسمع بالكارثة ولكن يختلف الأمر عندما تقرأه موثقاً بالأرقام والصور لكل عام كم فقدنا أمواتاً؟ وكم تعطل من الشباب عن الحياة الى بقية عمره؟ وكم أبواب آسر أقفلت لغياب أهلها؟ وكم حادثا جماعيا؟ والأسباب التي يسجلها المرور، وكم سائقا أوقف عن القيادة ؟ هذه الإحصائيات والأرقام تُفعل من خلال إعلانات مستمرة وحملات للقضاء على هذه الظاهرة.. بدلاً من تجاهلها أو اعتبارها عادية.. والارتكان إلى أن من مات عمره قد انتهى.. وهذا صحيح ولكن ما الأسباب؟ وقديماً قيل إن الحذر يقيك الضرر..!
مشاركة :